-1- لم يكن فراقك بالأمر الصعب... فقد أعتدت فراقك كما أعتدت الألم، فلم يعد فراقك يحزنني، كما لم يعد أي شيء يفرحني!... لقد أكبرني الحزن عن كل شيء، حتى إنني شعرت أن الألم لم يعد يؤلمني!... فلا فراقك يعقبه انتظار كما لم يعد للفرح في حياتي أي انتظار، أحمل نفسي وأسير كما يسير البشر، لا أعرف طريقهم، ولا أعرف أين وجهتهم، كل ما أعرفه أن هذا النهار سيعقبه ليل فقط!... لن يعيدك إلي أي شيء، ولن أطلب من أي شيء أن يعيدك إلي!... تركت مكاني فارغاً حين كان مكاني مألوفاً لديك، تركته فارغاً وغسلته من باقي كلماتي ونظراتي، وعاهدت نفسي أن لا أعود إليه أبداً، لأعتق بقاياك مني، ولم يعد طريقي إليه سهلاً، فرحيلك أنبت فيه الأشواك ، وأنا أدميت قدمي بما فيه الكفاية، تركت مكاني ورحلت... وسأعترف لك إنني أراه من بعيد، لعل خطاك تخطئ الطريق إليه، أو ربما تغضبك الحياة أو تجرحك وتأتين إلى مكاني الذي كان يحوي صدري المفتوح لك، لأبكي معك على ما لا أشعره!... كما قلت لكِ فيما مضى بأن وجودكِ نعمة كبيرة، أصرخ الآن بوجه الزمن بأن فراقك نعمة كبيرة لم أشعر بها من قبل... تركت كل شيء خلفي، تركت ما يبكيني ويفرحني، تركت كل شيء يحمل رائحتكِ أو اسمكِ وأدركت بأن هناك طريقا جديدا لابد أن أخطوه مهما كان ألم الخطوة فيه... أتعلمين لماذا أهرب منك وأنا الذي كنت أهرب من الكل إليك ؟!... لسبب بسيط جداً... هو إنني بعد فراقك لم أعد أنا من أعرفه وتعرفينه، لذا هربت حتى لا تأتي وتشاهدين شخصاً مختلفاً في كل شيء.... حتى لا أجرح مشاعرك النبيلة حين تشاهديني، وتعرفين أن فراقك قد ذهب بشخص كان له وجود.. أعذريني... فمرآتي قد كسرتها حين رأيت رحيلك!... فلم أعد أنا أنظر إلي وجهي، فما عساي أن أنظر إلي وجه من فقد حبيبته؟!... -2- لن يدنس الحب، ولن تتشوه معانية السامية، لمجرد أن فتاة عبرته دون أن تلتفت خلفها!... سيظل الحب يرفرف فوقنا، وقليل منا من يرفع رأسه ليراه، قليل منا من يعرفه معناه، وقليل منا من يعيشه بصورته الحقيقة، لقد أوجعنا الحب حين نفتش في جيوبه عن أشيائنا، نترك ما نعثر عليه مهما يكون ثميناً ونتشبث بأشياء لا تذكر لأنها توافق مصالحنا.. وأصبحنا نصف الحب ضمن المستحيلات، وأن حب زمان لم تدنسه التكنولوجيا والتقدم التقني، ونسينا أن المشاعر هي من تصنع الحب، وأن ما جد في حياتنا يجب أن يكون طوعاً للحب، لا أن نحمل الحب ما لا يحتمل... فهل نملك الجرأة لنتبرأ من الحب بكل شجاعة، كما تبرأ الحب من عشاقه بكل بساطة ؟!... -3- قالوا إن الحب عيب!... ونسوا أنهم ابتعدوا عن الحب ليكون عيباً!... الحب عيب علينا بكل ما نفعله، ببعدنا عن معناه الصادق، ببعدنا عن عطائه الذي لا ينضب، فحين شوهنا الحب بشهواتنا أصبح ليس حباً... فربما كان حينذاك عيباً!... علينا أن نراجع أنفسنا، نراجع علاقاتنا، نراجع عطائنا، حينها لن يتجرأ أحد منا وينطق باسم الحب!... آخر أحرفي .... اعتيادي على غيابك صعب واعتيادي على حضورك أصعب (نزار قباني)