اعمال الإرهاب خروج على الدين، والعلم، والثقافة، وهي أحد المنكرات والمفاسد التي تهدد أمن الإنسان، وتقتل الأبرياء، وتؤثر في حياة الناس حين تحيط بهم المخاوف والشكوك، وعدم الثقة حتى في أعمال الخير التي استغلها بعض الإرهابين مع الأسف لتمرير جرائمهم. وإذا كانت الأجهزة الأمنية في مجتمعنا ناجحة في مكافحة الإرهاب وسجلت إنجازات قوية تستحق التقدير فإننا على صعيد الأمن الفكري لا نزال نبحث عن أفضل الطرق للوقاية من وباء الإرهاب. وهناك جهود دولية جادة تشارك فيها المملكة للتصدي لظاهرة الإرهاب الناتج عن التطرف الفكري وهي ظاهرة عالمية بلا حدود. هذه الجهود الدولية ومنها تنظيم المؤتمرات على سبيل المثال تعزز الاعتقاد بأن القضاء على ظاهرة الإرهاب لا يتم من خلال الجهود الأمنية فقط فهي قضية فكرية في أساسها قبل أن يتحول الى سلوك مدمر. وهذا التوجه نحو المقاومة الفكرية الاستباقية هو بلا شك خطوة استراتيجية تشبه جهود الوقاية من الأمراض بدلاً من الاكتفاء بمعالجة اعراضها. وفي المؤتمرات الخاصة بالإرهاب يتم عرض أوراق كثيرة تتناول المحاور ذات العلاقات بشكل مباشر أو غير مباشر مثل التعليم ودورها في تعزيز الأمن الفكري، وفي مؤتمر سابق عقد في الرياض جاءت إحدى توصيات المؤتمر تدعو لبناء مرصد متكامل يرصد ما يتعرض للأمن الفكري بالاخلال ويستطلع الظواهر الفكرية، ورصد المداخل العلمية والمنهجية والإعلامية التي يلج الانحراف الفكري من خلالها. التوصية جيدة لكنها تحتاج الى آلية تنفيذ خصوصاً أن صياغتها يمكن وصفها بأنها صياغة لا أقول مطاطية ولكن مرنة مثل عبارة (مرصد متكامل) وعبارة (رصد المداخل العلمية والمنهجية والإعلامية). آلية التنفيذ مطلوبة أيضاً لتوصية أخرى من توصيات ذلك المؤتمر، تلك التوصية التي تنادي بالتنوع الثقافي والوسطية وتحصين الطلاب من الفكر المنحرف. ومن أجل الوقاية الفكرية كانت هناك توصيات تتعلق بنشر فقه الائتلاف وفقه الاختلاف وضبط وتقنين الإعلام الترفيهي والتأكيد على تبني آليات فعالة في التأهيل لثقافة الحوار البناء والجدل بالحسنى وإيجابيات متطلبات الانفتاح الرشيد مع الثقافات المختلفة والعناية بفتح المجال للتعيبر المتزن عن الأفكار وحرية التعبير في ضوء أحكام الشرع وضوابطه. وأود أن اضيف الى ماسبق من توصيات التوصية بتنظيم الفتاوى، ووضع الضوابط التي يتم بها إطلاق صفة العالم أو الشيخ، وإجراء الدراسات العلمية الموضوعية لقضية تجديد الخطاب الديني. وبشكل عام فإن التوصيات التي تطرح في المؤتمرات المتعلقة بمكافحة الإرهاب تمثل نقلة نوعية وخطوة إستراتيجية لتوحيد وتكامل الجهود للتعامل مع الفكر المتطرف. ومن الطبيعي أن من يقرأ تلك التوصيات سوف يسأل عن آليات التنفيذ، والمرجعية الإدارية، وقضية المتابعة والتقييم خصوصاً أن الموضوع لا يرتبط بجهة واحدة بل بكافة اجهزة ومؤسسات الوطن، وتنفيذ تلك التوصيات مصلحة وطنية عليا فالمسؤولية مسؤولية الجميع لكن عملية التنسيق عنصر إداري مهم للنجاح.