إنشائياً، أرى أننا في طريقنا إلى اعتماد القضبان الحديدية في المباني - خصوصا الحكومية منها - على أنها إجراء وقائي ضد التطفل والتعدي والاقتحام وسرقة مستندات غالية جدا عملية توريد وتركيب تلك المُطوّقات. ربما أنها كانت إرثا زمن الخوف أيام القلاع والأبراج و"الحنشل". قديما، بالرغم من وجود كل جاذب ومغر لمحترفي السرقة، فالمزارع لم تكن محاطة إلا بجدار طين عادي أقل من قامة الإنسان بكثير. في مساجد مدننا وقرانا القديمة كانت الأعمال الإنشائية مدعومة من قبل أهل الخير والإحسان، مواد وتنفيذاً. ومن حرصهم على نظافة المسجد والمصلين عمدوا إلى ابتداع طريقة فريدة لمكافحة أو طرد وإبعاد الخفافيش. فقد كانت تلك المخلوقات تلجأ إلى سقوف المسجد، خصوصا بعد المغيب. وتُلقي مخلفاتها على المصلين وهي تتدلى من السقف. واهتدى الناس إلى طريقة غير مُكلفة بأن علقوا كرات من الشوك المصنوع من شجر يُسمّى (العاقول) . قاموا بتثبيت غُصينات تلك الشجرة حول محور من الخشب بإحكام حتى يُصبح على شكل كرة كبيرة. ثم يجري تثبيت هذا الشيء بالسقف، فتتدلى الكرة على شكل (نجفة) . ويتم تعليق العديد منها بخط مستقيم آملين أن يصطدم بها الخفاش فتقتله. غير أن ناس ذلك الزمن لم يذكروا أن رأوا خفاشا مقتولا على الأرض، أو مُعلقا بتلك الكرة . ولم يسأل أحد منهم لماذا لا تؤدي تلك الكرات مهمتها " الصحيّة "، وفي كل مسجد تظهر تلك العلاجات الوقائية، لكن دون جدوى . وعندما دخلت علوم الحيوان وفيزياء الصوت، مع المدارس والتعليم، علم الناس أن الخفاش لا يرى، وأنه يستعمل حاسة الصوت (السونار) لكشف الأجسام التي تعترض طيرانه فيتفاداها بسرعة عجيبة . ومع ذلك ظل الناس يُعلقون تلك الكرات في كل مسجد جديد ويُجددون ما بَلي منها. مع الحديد وتلك القضبان المدببة من الأعلى، أخشى أننا نُعيد ثقافة كرات الشوك.