في دول الغرب عموماً تؤدي مؤسسات المجتمع المدني دوراً مهماً في تيسير الحصول على مسكن تملكاً أو استئجاراً للأسر غير القادرة بسبب معدلات دخلها المنخفض على تحمل تكاليف هذا الأمر وفق أسعار السوق وآلياته، حيث تقوم تلك المؤسسات بتوفير الدعم اللازم لتلك الأسر عبر صور مختلفة، من أهمها وأبرزها تأمين قطعة الأرض التي تمثل تكلفتها بحد أدنى ثلث القيمة الإجمالية للمسكن، المشكلة التي يعاني منها سوق الإسكان المحلي لدينا، على غرار ما تعاني منه أسواق الإسكان الأخرى في دول العالم ولو بنسب متفاوتة. من بين مؤسسات المجتمع المدني تلك التي يشهد العديد بدورها، هي ما يطلق عليها – إن صحة الترجمة - صندوق أراضي المجتمع (community land trust) التي يقوم دورها في مجال توفير المسكن الميسر على مبدأ فصل ملكية الأرض عن ملكية المنشأة السكنية المقامة على تلك الأرض، حيث تقوم تلك المؤسسة بموجب امتلاكها لهذه الأراضي التي تحصل عليها من مصادر مختلفة سواء حكومية أو هبات وتبرعات أو خلافها بتأجيرها بعد تهيئتها للسكن من قبلها مباشرة أو من خلال مطورين على الأسر التي تشتري الوحدات السكنية التي تقام عليها، ولأن تلك الأسر لا تحتاج سوى أن تشتري مبنى الوحدة السكنية فقط المقام على قطعة الأرض، فيعتبر امتلاك المسكن بموجب تلك الآلية ميسراً على تلك الأسر، مقارنة بالأسلوب التقليدي لامتلاك وحدة السكنية أرضاً ومنشأة، وبطبيعة الحال تأجير تلك الأراضي على الأسر المستحقة للدعم، يتضمن شروطاً تهدف إلى الحفاظ على طابع التيسير في امتلاك تلك الوحدات السكنية حتى عند انتقالها للغير، وتقييد محاولة التوجه للمضاربة بها في السوق، ويوجد في الولاياتالمتحدة حالياً ما يزيد على 200 مجتمع محلي يتبنى هذا النهج في تيسير امتلاك المساكن. في مجتمعنا بالمملكة لا نحتاج في الواقع أن نقتبس ذلك المنهج أو تلك الآلية، وإنما يكفي أن نفعل نظام الوقف، الصيغة التي تقابل في حضارتنا ما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني لدى الغرب والتي لاتزال تمثل وعلى مدى أكثر من أربعة عشر قرناً صورة سامية ورفيعة من صور التعاون الإنساني ومنبعاً لا ينضب من ينابيع الخير، ففي إطار قطاع الإسكان لدينا، لا نرى توظيفاً لتلك الصيغة إلا بصورة محدودة في مؤسسات وجمعيات الإسكان الخيري، وعلى نحو لا يتيح إمكانية امتلاك الأسر المستحقة لمسكن، وإنما حق الانتفاع فقط بالإقامة في وحدة سكنية مما توفره تلك المؤسسات أو الجمعيات ولسنوات محدودة، مرتبطة بدرجة احتياج تلك الأسر لخدماتها الخيرية أو انتفاء تلك الحاجة، بينما ما نأمل أن تتبناه تلك المؤسسات والجمعيات الخيرية هو تهيئة قطع أراض سكنية تتوفر لها شبكة المرافق العامة موزعة في مختلف الأحياء السكنية بمدن المملكة لتكون وقفاً خيرياً تتاح بأجر تشغيلي غير ربحي للمؤسسة أو الجمعية الخيرية أو حتى بدون أجر إن أمكن لتقيم الأسر المستحقة مسكناً على إحدى قطع الأراضي السكنية تلك، أو تشتري وحدة سكنية مما يمكن إقامته على تلك الأراضي، فهذا مما سيسهم من خلال تلك الأراضي الوقفية في تيسير امتلاك مسكن للأسر المحتاجه، أو على الأقل توفير وحدات سكنية منخفضة التكاليف في استئجارها للأسر المتدنية الدخل، بل ويقلل في ذات الوقت من حجم الطلب على الأراضي في سوق الإسكان بما يؤدي إلى خفض الأسعار ولو بصورة نسبية.