مرّ عام تقريباً على جلوسي فوق شرفة داخل مجتمع التواصل الاجتماعي أو تويتر بالتحديد. في البداية شعرت كأنني كنت سابقا أستمع عبر سماعات الأذن إلى نغمة وحيدة مملة برتم مكرر، وكنت أظنها صوت الكون حتى ألفت التعايش وإياها، لكن على شرفة تويتر أزيلت من أذني وعيني وجميع حواسي الحجب، وزج بي داخل تيار هادر متدفق من المعلومات بلا بداية ولانهاية: روابط مقالات، نقاش محتدم، روابط كتب، مقاطع أفلام وأغان ومواقع بهويات لامتناهية. الطارئ على ذاك العالم سرعان ما يداخله الرعب فالأصوات مرتفعة والسجالات محتدمة، والتصنيفات فوق أسنة الرماح وأطراف السهام، وكلّ يجلس فوق مقدمة دكانه يسوق ويروج لجودة بضاعته كي تستجلب المتابعين، فصل مدرسي هائل ضاج بلا ضابط، الجميع يتكلم سوياً ومعاً وفي نفس الوقت لتكتشف في النهاية بأنك لاتسمع أحداً. هل تويتر غرفة أخبار المستقبل، أم أنه ليس إلا ماء يدلق في أوانينا المستطرقة، ليس فقط يحمل عيوب الثقافة وندوبها بل يروّج لها؟ على المستوى الاجتماعي هل نستطيع أن نقول إنه كان هناك مجتمع قبل أدوات التواصل، ومجتمع ما بعدها؟ على حين أن مصادر الإعلام الرسمية تحاول أن تقلل من شأن هذا العالم وتنعته بالاندفاع وبعدم المصداقية، لكن العداء رد فعل متوقع لأن وسائل الاتصال الافتراضية سحبت سلطة المعلومة منهم، وفي نفس الوقت احترمت وعي المتلقي وأوكلت له مهمة الغربلة والفرز.. بلا وصاية . فالقارئ هو من يحدد كيف ومتى ومن يصدق كمصدر للمعلومة. بل إن الهمّازين المشائين بنميم استطاع مجتمع تويتر أن يفرزهم، وسرعان ماسقطوا وخبتْ شعبيتهم، بسبب استهانتهم بوعي المتلقين. أصبح ذلك العالم وسيلة ضغط لايستهان بها، ليس هذا فقط بل هو مؤشر لقياس التوجهات والرؤى والأفكار التي تموج في المجتمع، ولعل هذا، للمفارقة، يمثل محصلة ثمينة للجهات الأمنية والاستخباراتية، ليس على المستوى المحلي فقط بل العالمي. تويتر تلصَّص على مزاج الحجرات الخلفية في منازلنا التي تظهر واجهات السمت والوقار، لنجد عشرات المقاطع لفتيات يقدمن استعراضات مغرية ، ولكن بوجوه مبرقعة.. إذاً الفضيلة لدينا ليست خيارا شخصيا من احترام الجسد بقدر ما هي رعب اجتماعي. مواقع التواصل الاجتماعي تمنح دورات مكثفة في الفرز والتصنيف، فسرعان ما تكتشف الميول والأفكار؛ حيث يبرز أتباع تنظيم القاعدة بأفقهم الضيق وآرائهم القطعية، ويلوح الإخوانيون بوضوح وهم يهللون للمرشد صباح مساء، ويتبدى لنا أولئك الإعلاميون العرب الكبار الذين ما برحوا يتلقون أموالا في حساباتهم من المخابرات السورية، وسواهم كثير.. جميع هذا يتبدى بشكل سافر ما كان سيظهر دون فخ المباشرة والتلقائية داخل 140 حرفاً لتويتر. على مستوى الأفراد داخل تويتر تتعثر بالطاوويس وشيوخ الطريقة الذين يلوحون لأتباعهم ومريديهم بجلال وهيبة داخل التكية أو..الوسم . وهناك الذين نصبوا خيمة داخل تويتر فلا يغادرونه، وقد يكون بسبب نشوة ورغبة الظهور، أو الشعور بالوحشة وهشاشة وضحالة عوالمهم الخاصة فيهرعون للناس الافتراضيين، أخبارهم وصور أقاربهم.. وتحركاتهم متاحة ومباحة للجميع. وهناك المتوقدون المّاحون الأذكياء، الذين ليسوا في الواجهة الأولى مع النخب ولكن تفاجأ بقارئ عميق، وقارئة مثقفة ترجع الجميع لموقع التلميذ. وهناك أيضا السوقيون الذين اعتادوا توظيف الألفاظ الرخيصة والأفكار المنحدرة، والتهم التي تعكس طبع الغوغاء والعامة، وهؤلاء على الغالب الصمت والتجاهل يبعدهم. مرت سنة داخل ذلك العالم الاستثنائي، والجمهور الحاذق صاحب الوعي المرتفع.. وتوق للمعرفة لاينضب.. لنجد في النهاية أن مجتمعنا يعيش نقلة تمثل قبل.. وبعد العالم الافتراضي..