الحضور اللافت للوعي في مسار التغيير المسؤول يأخذ في أكثر من اتجاه تقدير المصلحة، والحفاظ على الهوية، وقيم المجتمع وثوابته..هكذا علمتنا الحياة أن الوحدة، والتلاحم، والتعاضد أساس النهوض، والمضي إلى المستقبل.. اليوم لا نزال نحفظ هذه الأدبيات ليس أمام كل جديد، أو حتى رغبة في التجديد، ولكن بحثاً عن المكان الدافئ الذي نتفق أن نلتقي فيه..حباً في وطن، ووفاءً لقيادة استثنائية. ومع كل هذه المغريات والمتغيرات التي يمر بها المجتمع، إلاّ أن مرحلة «التنفيس الالكتروني» أخذت منعطفات مثيرة نحو اللاوعي، وربما أكثر من ذلك وجاهة حضور الشائعات أمام الآخر، وتلفيق التهم، وتأويل المعلومات الرسمية، وكل ذلك لتلويث الكلمة الصادقة، وإفشاء المنطق البغيض، وتعميق ثقافة الاحباط.. مواقع التواصل الالكتروني -وتويتر تحديداً- أصبح اليوم سوقا حرة للأفكار، والانفتاح على الآخر، وربما «خروج المغلوب» من ساحة الحضور الواعي إلى البحث عن إثارة التواصل حتى لوكان على حساب المصلحة والثوابت الوطنية. وعلى الرغم من أن الحد الأقصى للرسالة الواحدة لا يتجاوز 140 حرفاً في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» -الذي أصبح «السعوديون» الأكثر ارتياداً له في العالم العربي بنسبة 38%-، إلاّ أنه أضحى متنفساً لكل من أراد، وغايةً لكل من بغى.. شخص يغرد، وآخر يزقزق، ويظهر بينهما نباح مغرض، وأكثر من ذلك حاقد، ويستعرض مضمونه بين وجهة نظر سياسية، وأخرى اجتماعية، والأسوأ حين تتحول إلى سيركٍ هزليٍ ساخر؛ بحثاً عن «الشهرة»، وإثارة اللُحمة من خلال تعبئة اجتماعية سلبية خلف معرّفات مجهولة أو صريحة تجاه أشخاص ورموز ليس حُباً في المتتبعين والقراء، وإنما كُرهاً شخصياً في أولئك الأشخاص!. « تويتر» كشف عن تغليب « التنفيس الإلكتروني » للأهواء الشخصية بعيداً عن المصلحة الوطنية واقع الجدل أشعلت كثير من تغريدات مستخدمي موقع «تويتر» الاجتماعي إثارة في المجتمع، بعد أن أصبح الرأي والمعلومة بغض النظر عن صحتها بعيدة عن «حارس البوابة الإعلامية»، فكل من أراد أن يشعل فتيل قضية ما، يوجز ما يريده عبر 140 حرفاً لا يفصل بينها وبين المتلقين سوى «ضغطة زر»، وتتناقل عبر آلاف الأشخاص، بل إن بعض التغريدات استحوذت على محاور نقاش بعض البرامج الفضائية، وتصدرت مضامينها الأعمدة الصحفية، فيما تدور النقاشات الساخنة رحاها بين مستخدمي «تويتر»؛ ممن تباينوا في آرائهم تجاه قادة الرأي، ودخل بعضهم في صراعات تصفية الحسابات، وانساق آخرون في سلسلة الإشاعات والكذبات التي لا تتوقف، بينما اختار فئة من المستخدمين المتابعة بصمت تجاه ما يُكتب، دون أن يحددوا موقفاً، كما اتخذ آخرون «الهزل» و»السخرية» مع من غَلب، وربما مع من غُلب، فيما حرص آخرون على تتبع الأخبار دون الدخول في نقاشات ومهاترات التي استولت على أحاديث مجالس المجتمع، وأصبحوا يتناقلون ما قاله «فلان» وما ردّ عليه «علاّن». تتابع الأدوار مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها «تويتر» في الآونة الأخيرة، أتاحت لكثيرين مزيداً من الإطلاع، وفرصة لتبادل الآراء والمعلومات المفيدة، وشجعت مستخدميها على طرح وجهات نظرهم، وأفكارهم، وشكّلت قيمة مهمة نحو تطوير المدارك وتوسيع الأفق تجاه معرفة الرأي والرأي الآخر، إلى جانب تقارب الأشخاص اجتماعياً ومعرفة أحوال بعضهم البعض، ومثّلت فرصة لتوسيع العلاقات الاجتماعية والصداقات، بيد أن هناك أشخاصا قد لا يكون «الوعي» لديهم قادراً على فرز الغث من السمين، وساهم في ذلك صراعات بعض قادة الرأي في «تويتر» نفسه، مما وسّع حجم الفجوة بينهما، وهنا ظهرت فئة تقمصت دور «قائد الرأي» بأسماء رمزية ومستعارة، استطاعت أن تستحوذ على جزء كبير من الرأي العام المنقاد بفعل تأويلهم الأحداث المتوالية وربطها ببعضها بحثاً خيط مصداقية لخزعبلات اختلقوها، ووجدوا لها من يروجها فضلاً عن تصديقها، مما جعل هؤلاء يعزفون ذات اللحن النشاز الذي بدأه «المتقمصون»، فصارت «الصدامية» و»البغضاء» ديدناً لأغلبهم، سواءً علمواً أو لم يعلموا، وأصبح «التأويل» و»التحريف» مساراً لبعضهم حتى أنهم كذبوا، وكذبوا، حتى صدّقوا كذباتهم، واستطاعوا أن يفلتوا أنظار المتتبعين. «هشتقة» وإساءة نتفق أن هناك إيجابيات عند استخدام «تويتر»، ولكن له سلبيات تتزايد بين الحين والآخر، من خلال تأويل البعض للأخبار الرسمية، وتفسيرها وفقاً للأهواء، والظهور بثوب العارف في جميع المجالات، إلى جانب تحريف المعلومات عن مسارها الحقيقي، من خلال التسويق للذات والمباهاة بمعرفة ما يدور خلف الأسوار، ناهيك عن ترك الشأن العام، والانسياق خلف تفاصيل شخصية لأفراد معينين، والإساءة والتشهير ببعضهم، دون أن يكون لذلك معنى وفائدة تنعكس على الصالح العام والمتتبعين، بل إنها تثير البغضاء والشحناء بين الأفراد. والتقليل من تأثير استخدام «تويتر» واختزاله في رسائل قصيرة لا تتجاوز 140 حرفاً يطغى عليها تحديثات أصحاب المعرّفات، من خلال ذكر يومياتهم صباحاً ومساءً، حيث إن مفعول ال140 حرفاً مركزاً ومختصراً ذو مفعول أكبر من أن يهمّش، وذلك لا يعني جلداً لذواتنا، بل إنه أمرٌ موجود في شتى أرجاء العالم، وهو ما حدا ب»الصين» وغيرها أن تحجب «تويتر» من بلدانها، إلى جانب استجابة شبكة «تويتر» بحجب بعض التغريدات في دول معينة عن أخرى، بعد أن أضحى منبراً مؤثراً في سير كافة الأحداث السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والرياضية. الجيد والرديء وانتهاء موجة «تويتر» جعلت المستخدمين قادرون على الفرز بين الجيد والرديء، حيث إن تنامي «الوعي» قادر على أن يزيد من التمييز واختيار ما يفيدهم، وتجنب ما لا يهمهم، والحاجة هنا تبرز ليس بالأخذ والرد على من يسعى إلى سحب المتتبعين نحو منزلقات هم يرغبونها، وإنما بالتجاهل والتغاضي، الذي لو كان بادئ ذي بدء؛ لما استطاع «المغرضون» أن يحظوا بما حظوا به من تناقل لرغباتهم وربما مخططاتهم. ولعل ما يعزز من أهمية «وعي» المستخدمين هو ظهور «المنتحلين» لأسماء شخصيات بارزة في المجتمع المحلي والدولي؛ بغية تصوير الوجه الآخر «المزيف» لشخصياتهم الحقيقية، وبحثاً عن صدى أكبر لما يذكرونه، ورغبة في الحصول على أكبر قدر من التأثير بتقمص الشخصيات المعروفة. دور الرقابة «الرقابة» التي أعلنت عنها شبكة «تويتر»، من خلال حجب رسائل محددة في الدول التي تعدها غير قانونية، بناءً على طلب تلك الدول، لم تحظ بقبول كثير من المغردين الذين سارعوا بمقاطعة «تويتر» لمدة 24 ساعة احتجاجاً على القرار، تلك المقاطعة أوحت برسائل ضمنية تتلخص في أن «تغييب الصدى» يقلل من الصدى، وهو المطلوب تجاه بعض العصافير الزرقاء التي خرجت من أقفاصها؛ بسبب قلّة وعي متتبعيها، ولكنها حتماً ستعود أدراجها إلى أقفاصها بزيادة وعي المستخدمين ومعرفتهم للغاية الأسمى لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تبادل الآراء المفيدة، والنقاشات المثرية، بعيداً عن النخر في «لُحمة الوطن».