على الطرق الطويلة تجد لوحات بين الفينة والأخرى فيها بعض العبارات التي تدعوك إلى ذكر الله أو تسبيحه أو شكره وحمده على نعمه، لافتات مكتوبة بشكل جيد وتشعرك، خصوصاً على الطرق الطويلة، بالأنس والراحة النفسية، فليس هناك شعور أكثر متعة من تعلق الإنسان بربه وتوكله عليه وتعطير لسانه بذكر خالقه. المشكلة تبدأ عندما يتطوع البعض ويشوه أملاكاً عامة أو خاصة بكتابة عبارات دعوية أو أذكار أو آيات قرآنية أو أحاديث شريفة، ويظن أنه بذلك يحسن صنعاً، بل ويضمن أن أحداً لايجروء على نهره أو عقابه لأنه يذكّر الناس بالله. وتجد في المصاعد والأسطح الجميلة من يتطوع لكتابة آيات قرآنية وأدعية وأذكار في أماكن لم تعد لذلك ويحتسب أجرها عند الله، فهل يؤجر؟ في فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول: "أمَّا كتابة القرآن على الطاولة، ثم يتكئ الإنسانُ عليها ليكتب، أو يتَّكئ عليها ليستريح؛ فإنَّ هذا فيه امتهانٍ للقرآن الكريم؛ فلا يُكتب، وأمَّا غير القرآن؛ فإنَّه أهون، ومع ذلك؛ فلا أرى حاجةً لكتابته، ومن أراد أن يتذكَّر ذكر الله؛ فليتذكَّرْ ذلك بقلبه، وأخشى أن يكتب "لا إله إلا الله" ثم يأتي بعض زملائه - كما جرَتْ به العادة - يحدِّثه، ويركب على الطَّاولة، مِنْ غير أنْ يشعر، أو يشعر ولكنْ لا يبالي؛ فأرى أن لا يُكتب عليها شيءٌ، حتَّى أيضًا حسب النِّظام - فيما أعلم - أنَّه ممنوع أن يُكتب على الطَّاولات شيء "ثم سئل عن الملصقات فقال رحمه الله "حتَّى الملصقات أيضًا لا داعيَ لها" وهذا يعني أنه عندما تكتب مثل هذه الأذكار والأدعية في مكان غير مسموح - نظاما - الكتابة عليها فإن الكاتب يأثم، فما بالنا بمن يكتب الآيات أو الأحاديث في أماكن لا تليق بها وهدفه من ذلك الدعوة والتقرب إلى الله. وكثيرا ما نجد أماكن جميلة قد تم تشويهها بالكتابة واعتدي على أملاك الدولة أو أملاك الآخرين بدون إذن منهم واعتبار ذلك قربة إلى الله. ظاهرة الكتابة على الجدران وعلى أبواب دورات المياه شائعة، وهي عرض لأمراض نفسية واجتماعية وتتطلب دراسة وعلاجاً، ويقيني أنها الآن أخف من ذي قبل ولم يعد يمارسها إلا أشخاص ليس لهم في التقنية نصيب حيث تحول الناس إلى جدران الفيس بوك وتغريدات تويتر يعبرون من خلالها عن شخصياتهم فمنهم من يكتب على سبورة ومنهم من يكتب على جدران المراحيض، كل يعبر عن نفسه ويضعها حيث شاء. هناك مبادرات عديدة واجتهادات للحد من هذه الظاهرة؛ ومن أغرب ما نقل لي من ثقة هي كتابة رقم جوال أحدهم في مصلى النساء! أية جرأة تلك التي يقدم عليها البعض؟ وهناك من يكتب داخل المصاعد ويعلق الملصقات ويشطب التعليمات ليكتب مكانها جملة أو عبارة ويتوقع أنه يحسن بذلك صنعاً. وأسأل نفسي لو أن هذا الذي كتب على المصعد أو أحد الجدران الجميلة ثم خرج ووجد شخصاً قد كتب على سيارته "لا إله إلا الله" هل سيتبسم ويفرح بكلمة التوحيد وهي أعظم عبارة؟ أم أنه سوف يتميز غيظاً ويزبد ويرعد ويتوعد من كتبها بالويل والثبور؟ نحن ننسى في كثير من الأحيان أن نعامل الناس كما نود أن يعاملونا، ونتوقع أننا بمنأى عن تعدي الآخرين في حين نقتحم خصوصياتهم ونمتهن أملاكهم وكأن أحداً لن يمارس معنا الفعل المشين نفسه. وعلى أية حال فقد أصبحت تلك الظواهر علامة تخلف تعبر عن مرتكبيها ومستوياتهم الفكرية وقدراتهم العقلية ويعجب بها إلا من شابه أصحابها لأن الطيور على أشكالها تقع. وربما يكون مناسباً أن نكسب أجرهم وندلهم على تويتر حيث يمكنك أن تقول ما تشاء وأنت تتخفى خلف أسماء مستعارة، ولكن عندما تقف أمام مرآة حقيقتك، هل يتبادر إلى نفسك قول الشاعر: فقبح من وجه وقبح حامله؟،