السوبر ماركت مصطلح جديد من مصطلحات الحضارة الحديثة. وقد دخل هذا المصطلح إلى حياتنا الثقافية والاجتماعية منذ ما يقرب من حوالي خمسين عاماً. ويمكن ترجمته إلى اللغة العربية بأنه السوق المركزي الكبير. والسوبر ماركت من المصطلحات المعربة في لغتنا العربية، كما ان هناك ما يسمى حالياً بالهايبر ماركت وهو عبارة عن سوبر ماركت ضخم وحديث. ويعتقد كثير من الناس أن السوبر ماركت لم تكن معروفة إلا منذ فترة ليست بالطويلة، ولعل أشهرها وأقدمها في مدينة الرياض سوبر ماركت السدحان. لكنني اعتقد أن الأسواق الشعبية القديمة والتي كانت تعقد في عدد من المدن والقرى السعودية هي أسواق مركزية كبيرة (سوبر ماركات) تعرض كثيراً من البضائع والسلع بصفة مؤقتة. ومن هذه الأسواق على سبيل المثال، سوق الثلاثاء بمدينة أبها، وسوق الخميس بمدينة خميس مشيط، وسوق الأحد وسوق الاثنين... الخ في المنطقة الجنوبية من بلادنا الحبيبة. ومن الذكريات التي أحملها في ذاكرتي صورة تمثل سوق الثلاثاء القديم والذي كان يعقد في مدينة أبها. كان ذلك السوق بحق سوبر ماركت متعدد الأغراض تتناثر فيه البضائع والسلع من كل الأشكال والأنواع. كان سوقاً كبيراً جداً تجد فيه الماشية بأنواعها، والحبوب والسمن والعسل والخضراوات واللحوم والدواجن والأثاث وغيرها. كان سوقاً شعبياً كبيراً يأتي اليه المزارعون والباعة وأصحاب الماشية وغيرهم من كل حدب وصوب. يأتون من معظم القرى المحيطة بمدينة أبها، وأحياناً من المدن المجاورة مثل خميس مشيط، ونجران، وجيزان، والطائف، وبيشة وغيرها. لقد كان ذلك السوق بحق سوبر ماركت ضخما تجد فيه البضائع من إبرة الخياطة – كما يقولون – إلى الإبل والماشية. ولعل من أجمل الأشياء التي كانت تلفت نظري، وأنا طفل صغير، تلك المشغولات اليدوية والصناعات البسيطة التي كان يقوم بها الأهالي، ويعكسون فيها تراثهم العريق. ومن الأشياء التي مازالت موجودة في سوق الثلاثاء حالياً (التنور) وهو من المقتنيات الثرية الأصيلة في منطقة عسير بصفة خاصة وبعض مناطق المملكة.. ويتميز هذا التنور بتحمله الكبير لدرجة الحرارة العالية، والتي تدل على مهارة صانعيه ونوعية الخام المتميز الذي يصنع منه. وما زالت كثير من بيوت القرى المحيطة بأبها تستخدم التنور لعمل الخبز في القرية. ولعل كثيراً من الناس يتفقون معي بأن رائحة الخبز وهو داخل التنور تجذب الإنسان، فهي رائحة زكية ورائعة. وتكتمل روعة هذه الرائحة عندما يكون الطعام مصنوعاً من هذا الخبز مثل (العريكة)، وهي مطعمة بكمية مناسبة من السمن البري والعسل الطبيعي. والعريكة عبارة عن أكلة عسيرية تقدم للضيوف في أبها وما يحيط بها من قرى. وما أجمل أن يعود الإنسان إلى أبها ليجد أن الناس أكثر كرماً وأشد حباً للضيف، فهم يقولون له دائماً "مرحبا ألف" أليس هذا دليلاً على الكرم والشهامة وحب الآخرين!! فإذا كنت في أبها أو خميس مشيط، أو أي موقع في عسير، فابتسم كثيراً، لأنك تعيش في بلاد الطبيعة الرائعة والجو الجميل والكرم الأصيل.