من أين تبدأ ثقافة المال في حياتنا؟ المدارس لا تدرجها في المناهج، والأهل كما في موروثنا لا يعيرونها أي اهتمام، لأنها كما يعتقدون ليست من الأولويات، وأن هناك ما هو أهم منها بكثير. لكن، من خلال طرح الفروقات الآتية بين أب يشجع أولاده على إدراك أهمية المال، وبين آخر لا يكترث بها أبداً، لنتأمل هذه المقولة:"ادرس بجد واجتهاد حتى تجد شركة جيدة تعمل بها مستقبلاً"، وآخر يقول:" ادرس بجد واجتهاد حتى تجد شركة جيدة فتشتريها". إن هذا الاختلاف البسيط في طرح الفكرة، هو توجيه ذهني منذ الطفولة نحو الثراء أو عدمه، كما أنه يسهم في تحديد نظرتنا إليه منذ ابتداء حياتنا. وعندما تسمع أحدهم يقول:"أحد أسباب عدم بلوغي الثراء هو أن لدي أطفالاً"، بينما يقول آخر:"السبب الذي لابد لأجله أن أبلغ الثراء هو أن لدي أطفالاً"، تجد أن الأول يضع عوائق وأعذاراً أمام هدفه، أما الثاني فيستخدم العوائق نفسها لتحقيق الهدف. أعلم أن أولئك الذين أبعدوا أنفسهم عن طموح الثراء هم الأكثر في حياتنا، لأنهم يعتقدون أن البحث أو السعي وراء المال شيء مكروه ومحفوف بالتنازلات، وبتأثير التربية التي يغرسها مثل هؤلاء في أبنائهم على هذا النحو، ينشأ الجيل ويكبر ثم يحيا صدمة المجتمع المادي. وفي قول ثانٍ:"عندما يأتي وقت المال والأعمال، حاول اللعب في الجانب الآمن ولا تخاطر"، وآخر يقول:"تعلّم كيف تدير المخاطر". فإذا نظرنا فيمن يفضلون عملاً بعيداً عن المخاطر، نجد أنهم ممن يبحثون عن وظيفة مريحة، توفر لهم التقاعد بعد سنوات طويلة، ومن دون أي خسائر، ويعتمدون عليها في توفير كل حاجاتهم ومتطلباتهم، من: رعاية صحية، وإجازات مرضية، وحوافز أخرى..، من الرفاهية التي تغنيهم عن محاولة العيش ضمن مستوى مختلف، كمخاطر تأسيس شركة واحتمال فشلها. وتتمثل خيبة الأمل في العجز عن توفير المتطلبات الرئيسة، وهي في النهاية تتحقق في معادلة " الأصول أو الالتزامات"؛ فالأولى وهي تمثل ما لديك في جيبك والثانية تتمثل فيما هو مطلوب منك أو ما يسحب من جيبك. ولكن، لابد من النظر مرة أخرى إلى حجر الأساس في البداية، وتوجيه السؤال الآتي:" هل أنا شخص لا يتملكني الاهتمام بالمال؟، أم "أنا شخص يؤمن بأن المال قوة؟، على أساس أن السعي وراء المال في هذا المقام، لا يمس القواعد الدينية والأخلاقية الراسخة. لابد إذاً من التصريح بذلك وطلق العنان للتوجيه الذهني نحو الثراء، فنحن نجذب إلينا ما نفكر فيه!! وأقول لأولئك الذين يصرحون بأنهم لا يهتمون بالمال، لماذا تعملون إذاً في وظائفكم لمدة ثماني ساعات في اليوم؟ ولماذا تنصرفون بأذهانكم دائماً إلى احتياجاتكم التي لايمكن تحقيقها إلا بالمال؟ أرى أننا إذا أدركنا أن معنى الثراء أو عدمه لا يعتمد على مقدار المال الذي نجنيه في حياتنا، ولكن يعتمد- بالدرجة الأولى- على سلوكنا وأفكارنا تجاهه، نكون قد خطونا إلى مجال أوسع وأكثر مرونة في عالم "ثقافة الثراء". يقول أحد الأثرياء:" إنني لا أعمل من أجل المال، بل إن المال هو ما يعمل لصالحي". فلنطوّع المال لخدمتنا، ولنتحدث أمام أطفالنا كالأثرياء، ولنحثّهم على الثراء، فإذا سألك طفلك يوماً ما:"كيف أصبح ثرياً؟" فلا تقفل الباب في وجه طموحه، وتغلق عليه حواراً قد يكون سبباً في تكوين مفهوم إيجابي لديه عن المال، بل ساعده حتى يكون ثرياً. المقال متأثر بفكرة وردت في كتاب "الأب الغني والأب الفقير".. *رئيس تحرير (فوربس- الشرق الأوسط)