وافق أخيراً البنك المركزي الهندي إلى تخفيض سعر الفائدة خلال الاجتماع الذي عقده في 29 يناير لمناقشة السياسة الاقتصادية التي يتّبعها. وكان البنك المركزي يتعرض سابقاً للضغوط السياسية وخصوصاً مع قرب انتخابات 2014 لاتخاذ إجراءات أكثر دعماً للنمو الاقتصادي الذي شهد تراجعاً خلال العالم الماضي. وقد أوصل هذا التخفيض في سعر الفائدة، الذي جاء بعد تسعة أشهر من الثبات في مستوياته، إشارة واضحة مفادها أن البنك المركزي قرر تحويل تركيزه على دعم النمو وإن كان على حساب التضخم. وكان مؤشر أسعار الجملة (WPI)، المقياس الأساسي للتضخم في الهند، ثابتاً في الفترة الأخيرة مما يمنح البنك المركزي مجالاً أكبر لخفض أسعار الفائدة. وفي ديسمبر، بقي مؤشر أسعار الجملة (WPI) ثابتاً عند مستوى 7.18%، بينما كانت أسعار السلع المصنعة تنخفض بسبب ضعف قطاع الإنتاج الصناعي. وكان الإنتاج الصناعي ينخفض منذ عام 2010، ومن المحتمل أن يستمر على هذا التوجه طالما استمر الطلب المحلي في مستوياته الضعيفة. وبما أن الأسعار الأساسية تعادل ثلثي سلة أسعار الجملة (WPI)، سيبقى مستوى التضخم تحت السيطرة نوعاً ما، ولكنه لا يزال مرتفعاً، وأعلى من المعدل الذي يستهدفه البنك المركزي، بين 4% و5%. وبما أن مستوى التضخم كان إما ثابتاً أو متراجعاً منذ أكتوبر 2012، كانت الحكومة والشركات تطالب البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة، حيث يساعد انخفاض تكلفة الاقتراض على جذب الاستثمارات وبالتالي دعم النمو. يستخدم البنك المركزي الهندي سعر الفائدة على اتفاقات إعادة الشراء (repo) كسعر الفائدة الأساسي، وهو السعر الذي تقترض فيه البنوك الروبية الهندية من البنك المركزي. ويستخدم هذا السعر كذلك كمرجع للقروض التي تتم بين البنوك، وكمرجع لحجم الودائع المطلوبة من قبل البنوك. وعن طريق خفض سعر الفائدة، يتوجه البنك المركزي الهندي نحو جعل القروض أرخص كلفة والودائع أقل جاذبية، مما يعزز من السيولة في السوق. خلافاً لمعظم الدول، تستخدم الهند مؤشر أسعار الجملة (WPI) كمقياس أساسي للتضخم. وبينما يشبه مؤشر أسعار الجملة (WPI) مؤشر أسعار المستهلك في أنه يقيس الزيادة السنوية في أسعار سلة واحدة من السلع، يختلف مؤشر أسعار الجملة (WPI) في أنه يركز على السلع المتبادلة بين الشركات بدلاً من السلع التي يشتريها المستهلكون. والسبب لذلك هو أن متابعة سلع المستهلكين في الهند أمراً صعباً، وبالتالي يكون غير دقيق. ولأن الهند عانت لفترة طويلة من مشكلة التضخم، أصبح من المهم لها أن تدير مستوى السيولة، كما بيبن سعر الفائدة المرتفع نسبياً، ولكن هنالك أيضاً مفاضلة بين التضخم والنمو. ومع انخفاض التضخم الذي كان ثابتاً لفترة، والأداء الضعيف للقطاعين الصناعي والتجاري، بالإضافة إلى العجز المالي الكبير، أدركت كل من الحكومة والبنك المركزي ضرورة زيادة الإجراءات التحفيزية، وأصبحت الهند تعتمد على البنك المركزي لمنح الاقتصاد الدفعة التي يحتاجها. وأخيراً، استسلم البنك المركزي الأسبوع الماضي إلى الضغوطات، وخفض سعر الفائدة. ويمكن أن يعتبر هذا التخفيض مكافأة للحكومة التي بدأت ببطء في اتخاذ موقف أكثر نشاطاً في اعتماد الإصلاحات الهيكلية، حيث أعلنت في سبتمبر عن سماحها لمتاجر التجزئة الأجنبية بدخول السوق الهندي، وسمحت بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاعي الطيران والاتصالات. وبالنسبة للنظام المالي، فقد بينت الحكومة بعض التقدم كذلك، حيث تم الإعلان في الشهر السابق عن رفع أسعار التذاكر على كافة درجات النقل بالقطار، وهي المرة الأولى منذ ما يقارب عشر سنوات. كما اقترحت وزارة النفط الهندية رفع جزئي للقيود على الديزل بهدف خفض الدعم النفطي. وهذه الخطوة من شأنها أن تساعد في تخفيض العجز المالي. ومع هذا، لا يزال هناك مجال للتقدم. فأحد أهم الأسباب لارتفاع التضخم الهندي هو ضعف البنية التحتية ورداءة وسائل النقل. فإذا لم تتبن الحكومة إجراءات أكبر من جانب العرض، قد تستمر معاناة الهند مع ارتفاع مؤشر أسعار الجملة بشكل كبير ومستمر. وكنتيجة لخفض سعر الفائدة، قد يشهد التضخم ارتفاعاً صغيراً في الأشهر القليلة القادمة. ولتخفيض مستوى التضخم، يجب على الحكومة أن تحافظ على أو تزيد من إجراءاتها الإصلاحية. ولكن الإصلاحات الفعلية لا تبدو محتملة مع الانتخابات التي لن تحين إلا بعد عام كامل. * محللة اقتصادية في آسيا للاستثمار