نظر الفيل إلى الأرض فرأى نملة تحاول الصعود إلى ُخفه، فضحك من تطاول النملة وقال لابد أن أذهب إلى بيتكِ أيتها الحقيرة وأقضي بقدمي على قبيلتكِ وأهدم قريتكِ.. قالت النملة للفيل الجبار لكني أقوى منك!! لم يضحك الفيل وإنما رفع يده وهوى بها على الأرض حتى اهتز المكان.. ولكن النملة في تلك اللحظة كانت قد علقت بقدمه، وأخذت تصعد حتى وصلت إلى أذنه فصارت تنخسها وتقرصها والفيل يهز رأسه ويصفق بأُذنيه، ويدور حول نفسه في ألم وتوجع ثم فقد توازنه وصار يضرب رأسه بجذع شجرة من جهة اليمين, فذهبت النملة إلى أذنه اليسرى وصارت تفعل فيها الأفاعيل فهاج، وماج، وأخذ يدور ويضرب الشجرة بعنف وجنون.. فلما دوخته تسللت إلى عينه اليسرى وأخذت تلدغها. فصار يغمضها ثم يحكها على أغصان الشجرة، ولكن النملة توغلت بين الجفن والحدقة، وأخذت تنهش على كيفها، وتنتقل من زاوية إلى أخرى حتى احمرت العين، وتورمت، ثم انها انتقلت إلى عينة الأخرى وفعلت ما فعلته باليسرى، فانتفخت العينان، وصار الفيل يسير متخبطاً متعثراً في الحفر، والحجارة، والجذوع. وأخيراً برك مستسلماً للنملة الحقيرة.. اقتربت من أذنه وقالت ما رأيك؟!... هزّ رأسه ومد خرطومه دليلاً على الإذعان والاستسلام فصعدت إلى قمة رأسه وألقت عليه محاضرة جاء فيها: اعلم أيها الفيل إنك وإن كنت من أكبر الكائنات وأقواها إلا أنك من أحمقها وأغباها.. إنك تموت ظمأ والنهر وراء أكمة خلفك.. وتموت جوعاً والغابة ليست منك ببعيد.. وربما وقع الغراب على ظهرك فلا تستطيع إبعاده، وإنك وإن كنت ضخم الجثة طويل الخرطوم كبير الرأس إلا أنني أكبر منك عقلاً وأشد ذكاءً... واسأل علماء النفس من البشر أمثال "بافلوف" العالم الروسي الذي ظل سبع سنوات يتعلم مني! و"سكنر" العالم الأمريكي صاحب نظرية السلوك الإجرائي والشرقي وغيرهما كثير فهم يعتبرونني من أذكى الكائنات حيث أدخلوني في"متاهة "يضيع فيها العبقري من بني آدم فخرجت منها بدون تيه أو ضياع.. وبيتي يعتبر معجزة في التصميم والبناء.. أما جهدي فيضرب به المثل... إنكم أيتها الكائنات الضخمة تعتقدون أن القوة تكمن في ضخامة أبدانكم، بينما الواقع أن ضعفكم يكمن في ضخامتكم..! وهذا هو أحد أسباب هلاككم، وانقراضكم وربما أن "الديناصور" الذي تتحدثون عنه وتشاهدونه في المتاحف، قد انقرض واختفى من الوجود بسبب ضخامته، وقسوته وسذاجة تفكيره.. بل كما اختفت إمبراطوريات ضخمة كانت تسوس العالم بسبب جبروتها وغرورها وطغيانها في الأرض..! وكان الفيل قد ضاق ذرعاً بحالته ولم يعد في عقله من الحكمة ما يجعله يصغي إلى حديث النملة، فجذب نَفَساً هائلاً ونفخ نفخة أطارت الغبار من حوله ثم صمت.. وكان ذلك نَفَسه الأخير، ونفخته الأخيرة.