من المعروف أن أي طبيب عند تخرجه من كلية الطب يؤدي القسم بأن يراعي الله في مرضاه وان يحافظ على حياتهم، ولكن يبدو ان واقع الحياة المادية واللهث وراء المال أنسى بعض الأطباء مسؤولياتهم تجاه مرضاهم. ذلك ان معدل الأخطاء الطبية المرتكبة في المملكة في الآونة الأخيرة في تزايد مستمر وبشكل يحتاج للمراجعة وتصحيح أوضاع المستشفيات وطريقة عمل الأطباء بها. وقليل من كثير هو ما نتذكره من أخطاء طبية وأقربها ذلك الضابط الشاب الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى عندما أجرى عملية في الجيوب الأنفية وبسبب خطأ طبيب التخدير دخل في غيبوبة أدت إلى وفاته ويتمت أطفاله، بالطبع كان المستشفى ضليعاً في معرفة الإجراءات فدفع الدية لكي يتخلص من القضية وربما أنه مؤمن ضد الأخطاء الطبية وتولت شركة التأمين دفع الدية لأهل المتوفى، أما الطبيب الذي تسبب في الوفاة فقد حصل على تأشيرة خروج في اليوم التالي للعملية هارباً من مسؤوليته وخطأه الجسيم الذي ارتكبه. أيضاً يتحدث الناس عن ذلك الشاب الذي لا يزال في غيبوبة حتى اليوم وقصته تعود إلى أكثر من عشر سنوات عندما كان يزور والدته المريضة المنومة في مستشفى بجدة وتلقفه الأطباء مدعين أن لديه سخونة (حرارة) وان لديه الزائدة وأدخلوه إلى غرفة العمليات سريعاً حيث زادت كمية البنج المعطى له وأدت إلى دخوله في الغيبوبة التي لم يخرج منها حتى الآن. كذلك رفع صاحب مركز تجاري لتسويق المواد الغذائية قضية ضد مستشفى آخر لأن استشاري الأنف والأذن والحنجرة أجرى له عملية في أذنه "دون أن يكون هناك حاجة لإجرائها" وأدت العملية لفقده حاسة السمع. ويعتقد أن سبب هذه الأخطاء الطبية التي ذكرنا أمثلة محدودة منها يعود للوضع النفسي الذي يعيشه الأطباء الاستشاريون والأخصائيون الذين يتم التعاقد معهم للعمل في المستشفيات الخاصة السعودية، حيث يعطي صاحب المستشفى لهم رواتب لا تتناسب مع خبرتهم ويطالبهم لزيادة دخلهم بتنويم أكبر عدد من المرضى في غرف المستشفى والإكثار من إجراء العمليات عند الضرورة أو غير الضرورة وذلك للحصول على نسبة مقابل هذا العمل الإضافي، وفي حالة التحاليل الضرورية وغير الضرورية فإن مصيرهم سيكون انهاء عقودهم واستبدالهم بأطباء أقل خبرة وكفاءة يقبلون على ضمائرهم العمل بشروط أصحاب المستشفيات. وواقع حال معظم المستشفيات الخاصة في السوق السعودي يوضح أنها تعمل بأسلوب تجاري فندقي وليس بالمفاهيم الطبية المتعارف عليها فمثلاً يقوم صاحب مستشفى معروف بجدة بإنهاء عقود الأطباء والممرضين والممرضات العاملين لديه كل خمس سنوات ويبرم معهم عقودا جديدة ذلك مكافأة نهاية الخدمة حسب نظام العمل والعمال خلال الخمس سنوات "نصف راتب عن كل سنة" وإن زادت مدة الخدمة عن خمس سنوات تصبح مكافأة نهاية الخدمة "راتب شهر عن كل سنة" لتوفير مصاريفه السنوية بالرغم أن عقوده مع شركات التأمين الطبي تجعله يحقق أية أرباح يطمح إليها صاحب أي عمل تجاري ولكن يبدو أن الطمع والجشع قد استحوذ على النفوس فلم يعد هناك مكان للمثالية وأخلاق المهنة وهو بذلك يتجاوز مفاهيم أي تاجر يعمل في السوق ذلك ان التاجر يبحث عن الربح ويمدده لنفسه أما مثل صاحب هذا المستشفى فهو يبحث عن المزيد من الملايين يعملون لديه والأخطر من ذلك على حساب الضرر الذي سيلحق بضعاف المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة ويصطادون الى غرف العمليات التي ربما لا يخرجون منها إلا وقد توفاهم الله برحمته ومغفرته. ودهاليز الوضع الصحي في الوقت الراهن سيئة للغاية فهناك مرضى لايستطيعون تحمل نفقات المستشفيات الخاصة ما زالوا ينتظرون أطباء يعيشون في أبراج عاجية في المستشفيات الحكومية ولم يمنع تردي هذه الأوضاع صاحب أحد المستوصفات ان يعين "طبيب بيطري" مديراً طبياً وجدير الإشارة بشيء من التقدير والإعجاب لما كان يقوم به مدير الشؤون الصحية في المنطقة الشرقية منذ سنوات طويلة من ترأس لجان يتأكد من خلالها من مصداقية الشهادات التي يحملها الأطباء الذين يتعاقد معهم القطاع الخاص حيث كان يجري لهم اختبارات في مكتبه ليتأكد من مدى مصداقية أنهم أطباء حقيقيون. ولا نستغرب تلك الأخبار التي نشرت قبل مدة عن أحد المزيفين الذي عمل في المملكة لمدة عشرين عاماً دون أن يكتشفه أحد ذلك لأن الوضع كما أشرنا متردّ وسيئ ويحتاج لإعادة تصحيح. ودهاليز التحاليل والإضرار بالمريض ليست قصراً على المستشيات الخاصة فشركات التأمين الطبي أيضاً قد تشترك مع المستشفى في عقد اتفاقات ضد مصلحة المريض لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين. وعند هروب المرضى من واقع المستشفيات الخاصة إلى العيادات الخارجية في المباني الفخمة فإنهم إن وجدوا الطبيب السعودي الأستاذ الجامعي فإن قيمة الكشف لديه تتجاوز الثلاثمائة ريال بالإضافة إلى ان دوامه مسائي فقط ويشترط اجراء التحاليل والإشاعات لدى مراكز متخصصة معينة وقد يفعل ذلك لتغطية مصاريف عيادته التي لا تجد أي دعم من وزارة الصحة في حين ان مثل هؤلاء الأطباء في الدول المتقدمة يدعمون مادياً أثناء دراستهم وعند القيام بافتتاح عياداتهم بحيث يذهب المريض إليهم بكرت التأمين ويحصل على الكشف ضمن منظومة التأمين الشامل لجميع القطاعات الصحية وهو ما نأمل ان يفكر فيه المسؤولون لإنقاذ حياة المرضى وخاصة الضعفاء منهم وتقديم خدمة علاجية خالية من جشع وطموح أصحاب المستشفيات الخاصة.