يسعى البعض إلى الاستمتاع بإجازاتهم في مكان مختلف وبطريقة مغايرة، حيث يلجأ سكان المدن إلى سياحة الريف - التي ما زالت الطبيعة فيها بكراً مع توفر الخدمات الأساسية، والاستغناء عن وسائل التقنية الحديثة -؛ وهي فرصة لتعريف الأبناء على الحياة البسيطة التي تعتمد على الحركة، والكسب من العمل، والعيش فترة استجمام بعيدة عن صخب المدينة ووسائل الترفيه التقليدية، ومنحهم حرية مطلقة في تحركاتهم داخل القرية بدون قيود! وشدت بعض الأسر خلال إجازة منتصف العام الرحال إلى القرى الصغيرة؛ ليجددوا اللقاءات الحميمة، ويتذكروا طفولتهم، ويسردوا قصص حياة الآباء للأبناء، من خلال رحلات يومية سيراً على الأقدام، وزيارة أبرز الأطلال التي عاشوا فيها حقبة من الزمن، وزيارة المنازل القديمة، واستعراض المواقف العالقة في أذهانهم التي حدثت لهم في زوايا المنازل الطينية، مع جولات في المزارع والأسواق الأسبوعية التي تحتضنها المنطقة. سياحة ممتعة وأشاد "مفرح العسيري" بفكرة قضاء أسبوع في ريف المدينة، حيث ينعم بالهدوء ويعيش صفاء ذهنيا يساعده لتخطي تعب وإرهاق العمل، مضيفاً: "أسكن في جدة وكلما جاءت إجازة أذهب إلى أهلي في مدينة أبها وهم يعيشون بإحدى القرى هناك، وكل يوم أصحو على صياح الديك، وأفطر من خبز التنور، وأخرج للمزرعة لمساعدة الوالد، ونسير مشياً على أقدامنا للزيارات العائلية، ودائماً ما تكون الإجازات في القرية مميزة، وصعب أن تنسى، حيث أنّها توفر كل ما يبحث عنه الشخص من دون أي تكليف مادي، ويدفعه ذلك لأن يرغب في تكرارها". وبيّن "فيصل الغامدي" أنّ السياحة الريفية ممتعة بكل ما تعنيه الكلمة، خاصةً المناطق الجبلية في ربوع الباحة، وأبها، والطائف، مبيناً أنّه يستغل كل إجازة سواء قصيرة أو طويلة في الذهاب للباحة عند أهله بالقرية، حيث نمط الحياة هناك مختلف؛ إذ تتخلى عائلته الصغيرة عن كافة العادات السيئة التي اكتسبوها من المدينة، ومنها النوم متأخراً، والإكثار من مشاهدة التلفاز، ليقضوا الوقت في المزرعة أو زيارة الأقارب، وأحياناً في الذهاب للقرى المجاورة والأسواق الشعبية، والتعرف على المنطقة ومواقعها الأثرية والسياحية بشكل أكثر، وزيارة المتنزهات الخضراء والغابات التي تبعث في النفس أملا بأنّ الغد أفضل. قرية ذي عين في الباحة نموذج فريد لسياحة الريف تجديد وطاقة وذكرت "أم فهد" أنّها منذ عامين تقريباً بدأت وزوجها في التخطيط لزيارة القرى الهادئة البعيدة عن الضجيج، والتي تحوي مقومات طبيعية وأجواء جميلة، مبينةً أنّهم وجدوا الراحة النفسية، كما أنّ أبناءهم تعودوا على الاعتماد على أنفسهم والاستيقاظ مبكراً، واحترام مواعيد الأكل، وأخذ قسط كافٍ من اللعب والمرح، والأهم من ذلك كله ضعف تأثير التقنية وإدمانهم لها. وأوضح "منيف الشهري" أنّ الطبيعة الخلابة والجو الآسر تجذب الأسر إلى المواقع الريفية، خاصةً في الاجازات القصيرة، لأنّها تشحن طاقتهم وتجدد نمط حياتهم بشكل لم يتعودوا عليه من قبل، مضيفاً: "أسكن النماص، وأجد في الإجازات توافد غالبية الأسر من الرياض، وجدة، والشرقية، لقضاء إجازتهم بين أحضان القرى التي هم منها، أو حتى قد يكونوا سمعوا بالمنطقة وجاءوا لإستكشاف المكان"، مشيراً إلى أن الإجازة أصبحت وسيلة من وسائل الكسب لأهل القرى، فبعضهم يؤجر منزله القديم بعد ترميمه، وهناك من يبيع المنتجات الريفية كالخبز، والسمن، والعسل، وبعض المحصولات الزراعية، وآخرون يروجون لسلع تراثية تميزت بها المنطقة عن غيرها من المناطق، كما أنّ الأكلات الشعبية تلقى رواجاً كبيراً في فترة الإجازات، خاصة في فصل الشتاء. حياة الريف وقال "خالد بن عبدالرحمن آل دغيم" -خبير سياحي عضو المركز العربي للإعلام السياحي-: "السياحة الريفية انتشرت في دول أوروبية كثيرة منها بريطانيا، وفرنسا، حيث يمارس أفراد العائلة أعمال الزراعة وتربية الحيوانات، ومشاركة القرويين نشاطاتهم اليومية مثل رعي الغنم، وفلاحة الأرض، وجني المحصول، مشيراً إلى أن مفهوم السياحة الريفية يتركز على قضاء عطلات أهل المدينة في بيوت ريفية؛ لكي يعايشوا حياة أهل الريف أثناء الإجازة. وأضاف: أصبحت السياحة الريفية وسيلة للتواصل والتفاهم بين أبناء القرى وأبناء المدن، وتعد رافداً مباشراً في اقتصاد القرية أفضل من مردود الزراعة، حيث أنّ الفلاح يحتاج فقط إلى تخصيص جزء من بيته لتأجير العائلة الوافدة من المدينة أو بناء بيت مستقل في جزء من أرضه الزراعية لهذا الغرض، ومن ثم يكون المردود مضاعفاً عدة مرات عن دخل تلك الأرض من الزراعة".