لم يعد جديداً القول بأن معظم الدوائر الرسمية المسؤولة عن قطاعات خدمية تود أن تظهر مفعمة بالحيوية أما الصحافة والرأي العام، فتعمدان - لتحقيق ذلك الغرض - بتركيز استثنائي على استعراض وضع الحجر الأساس. وهذا يأتي في أولوياتهما. أما علامات الاستفهام الكبيرة عن أسباب تعثّر المشروع، أو سوء تنفيذه فهذا لن يأتي لا لاحقا ولا آجلا . وبعد اكتمال العمل الإنشائي يأتي دور التدشين أو الافتتاح، فيجتمع القوم ويكثر البخور واللافتات والعباءات والابتسامات قبل أن يُترك دون تجهيز أو برنامج عمل أو طاقم بشري. لي في قولي هذا أسوة سيئة في مركز تربة الصحي (180 كلم شرق مدينة حائل) . وقرأنا في الطبعة السعودية من جريدة الحياة يوم الاثنين الماضي أن امرأة سعودية في العقد الثاني من عمرها جرت ولادتها داخل سيارة ووسط أجواء شديدة البرودة، وفي ظلام دامس..! بسبب عدم وجود أطباء وممرضين في المركز الصحي في مدينة تربة، كما أنه لا يوجد سيارة إسعاف، ما اضطر زوجها إلى نقلها بسيارته إلى محافظة بقعاء التي تبعد 80 كلم عن مدينة تربة، وفي الطريق اشتدت آلام المخاض عليها، ما اضطره إلى الوقوف بجانب الطريق، لتلد المرأة داخل السيارة، وكانت درجة الحرارة وقتها أقل من صفر مئوي. ولو نظر القارئ إلى الصورة المصاحبة للخبر لوجد مبنى عصرياً لابد انه تم افتتاحه باحتفال مهيب، وقُص شريطه، وبُثت صُوره بالتلفاز، وابتسم الحضور وربما أكلوا وشربوا هنيئا مريئا، - المهم أنه افتتح.. ! لو كنتُ مكان المسؤول الذي تولى الافتتاح لرفضت بكل إصرار افتتاح المبنى، أو الاقتراب منه ما لم أرَ التجهيزات، وطاقم العمل، فهذا مركز طبي وليس مركز تسوّق، وعلى اكتماله تتوقف الخدمات الجيدة، وعلى نقصه تأتي أكوام التهكم والسخرية، غير مخاطر نقص العناية وما تُسببه للأرواح البشرية . أضيف أن مصدرا طبيا في المديرية العامة للشؤون الصحية في منطقة حائل أكد أن حال الطفلة لم تستقر في الساعات الأولى، بسبب البرد القارص الذي تعرضت له أثناء الولادة. حالات مثل هذه لا تُرضي الناس في منطقة تضم أكثر من ثلاثين قرية من شمال بلادنا العزيز..