ما انفك المواطن ص .ص يذهب إلى مقر صناديق البريد الذي يملك فيه صندوقاً منذ زمن مبكر، يجلب الفواتير والرسائل، وكشوفات الحسابات البنكية، والبطاقات الائتمانية، وغيرها من مراسلات الجهات الخدمية الأخرى. كانت الأمور جيدة فيما يراها الرجل في حدود الخدمات البريدية التقليدية التي ظلت هكذا منذ أيام وزارة البرق والبريد والهاتف التي كانت معنية بخدمات الاتصالات في البلاد، إلا أن تحول البريد في المملكة إلى مؤسسة مستقلة، شكل منعطفاً هاماً في المشهد، وجعل المواطنين يتأملون أن ترتقي صناعة خدمات البريد في المملكة إلى مستويات أفضل، فقد انتشرت صناديق البريد بشكل كثيف أمام العمارات والمساكن في مشهد يوحي بأن هناك تطورا يحدث في الواقع. وقد رافق ذلك تطور آخر تمثل في خدمة بريدية غير تقليدية تُسمى (واصل)، حيث تأتي الرسائل البريدية تسعى إلى الصندوق الذي أمام باب بيت المواطن أو المقيم، وسيتلقى رسالة بمجرد أن تكون الأظرف هناك في ذلك الصندوق، هذا التطور دفع المواطن ص.ص إلى محاولة ترقية حصوله على الخدمات البريدية، حتى لو كان سيدفع ثمنا مقابل تلك الخدمة، فقرر أن يشترك في خدمة البريد واصل، توفيراً للمشاوير التي تستهلك جزءاً من وقته ذهاباً وإياباً لجلب رسائل البريد، لكن المعضلة التي واجهت الرجل تمثلت في أنه فقد الخدمات البريدية التقليدية من خلال صندوق البريد التقليدي، ولم يحصل على الخدمات الراقية المتطورة التي دفع ثمنها، وكان يتوق إليها. فقد أصبحت تأتيه رسائل نصية على هاتفه المحمول تشير إلى أن صندوق واصل الذي علقه البريد عند باب منزله يفيض بالرسائل، وحينما يفتح الصندوق يتفاجأ بأن تلك الرسائل لأشخاص آخرين، وأن رسائله وفواتيره التي ينتظرها كل شهر لم تصل. التزم الرجل الصمت ردحاً من الزمن، علها حالة من الأخطاء وتنتهي، لكنه ما لبث أن ضاق ذرعاً بسوء الخدمة، وتكرر الأخطاء، وعدم وصول رسائله وبطاقات الصراف وغيرها من الرسائل الهامة التي ترسلها المصارف والجهات الخدمية على صندوق بريده. قرر الرجل أن يتنازل عن تطلعاته في الحصول على خدمات بريدية عصرية، وأخذه الحنين إلى صندوق بريده التقليدي في مكتب البريد، مفضلاً تحمل المشاوير لذلك الصندوق في أحد أحياء العاصمة بغية أن يضمن أن يحصل على رسائله البريدية. ذهب الرجل إلى البريد مفصحاً عن رغبته في إلغاء خدمة واصل، والعودة إلى صندوقه القديم، لكنه تفاجأ حين قال له من وجد من موظفين انه يجب أن يعود يوماً آخر قبل الساعة الواحدة ظهراً، لكي يجد من يرد عليه بهذا الخصوص، عندها التفت الرجل إلى تلك الرسائل التي كان البريد يرسلها إلى هاتفه، والتي تشير إلى أنه يمكنه أن يتصل على رقم هاتف تضمنته تلك الرسائل، فاتصل مراراً دون أن يرد عليه أحد. قصة هذا المواطن ومشهد الصناديق التي تحتشد على جدران المباني في الرياض وقد هشمت تهشيما، تثير تساؤلاً مباشراً حول مستوى الخدمات البريدية في البلاد، بعد أن شهدت التحول الأهم في تاريخها عام 2002م عندما انعتقت من البيروقراطية وتحررت من الروتين الحكومي كمؤسسة عامة. ترى ماذا يحدث بالفعل في هذه المؤسسة التي أكملت عقداً من الزمن بعدما نالت حريتها في التخطيط والتطوير، والتوسع في الخدمات؟ (الرياض) تواصلت مع البريد السعودي، وعرضت قصة المواطن ص.ص على أحد المسؤولين الذي تفاعل معنا في البداية، وطلب كل المستندات التي تم ارسالها له، لكنه مالبث أن قال إنه ليس مخولاً بالحديث عن هذا الموضوع، وزودنا بجوال مسؤول آخر لم يرد على هاتفه المحمول رغم كثرة اتصالاتنا.