منذ خمسين عاماً تسلمت صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل "إدارة جمعية النهضة"، ومازالت جهودها متوّجة بالعمل الإنساني في أول جمعية نسائية سعودية نفذت عشرات المشروعات المتنوعة وغير المسبوقة، وشاركت وساهمت وبادرت في العديد من الأنظمة المعمولة حالياً لتفعيل عمل الجمعيات فيما يختص بتطوير العمل الخيري والاجتماعي، وتحفيز العمل الجماعي كأساس لنجاح العمل الخيري. أنشطة مميزة لجمعية النهضة داخل الأحياء الفقيرة وبعد مرور خمسين عاما على إنشاء الجمعية سلطت سموها الضوء على منجزات جمعية النهضة منذ البداية، وكيف كانت رؤية والدها الملك فيصل -رحمه الله-، مروراً بمحطات مهمة في مسيرة الجمعية، وبدايات العمل الخيري قبل أن ينضم تحت مظلة "وزارة الشؤون الاجتماعية"، إلى جانب تطلعاتها للعمل الخيري في المملكة مستقبلاً، خاصة في الجانب النسائي، وفيما يلي نص الحوار: فكرة البداية * كيف تحولت فكرة إنشاء جمعية نسائية قبل خمسين عاماً في بيئة اجتماعية واقتصادية صعبة إلى ما نراه من منجز اليوم؟ - كانت البداية عام (1382ه) الموافق لعام (1962م) عندما نضجت فكرة مجموعة من السيدات اتفقن على إنشاء مقر لممارسة أنشطة ثقافية واجتماعية تهدف إلى رفع مستوى المرأة السعودية الفكري، في وقت لم يكن المجتمع يعاني فيه من قصور في البنية التحتية وبخاصة المرأة، حيث كان الحماس شديداً وبدأنا ممارسة النشاط الثقافي والترفيهي للسيدات تحت مسمى "نادي فتيات الجزيرة"، وكانت القرارات اللحظية هي السمة الغالبة على أنشطتنا وفعالياتنا الاجتماعية، وبتشجيع من الوالدين الملك فيصل والملكة عفت -رحمهما الله- اقترح الوالد أن يتم توجيه هذا النشاط إلى العمل الخيري المجتمعي والخاص بالمرأة ورعايتها. مبادرات الجمعية تمتد إلى تطوير مهارات أفراد الأسرة ومن هنا بدأت الأمور تأخذ مسارها نحو العمل المؤسسي المنظم، إلاّ أنه لم يكن هناك نظام لتنظيم الجمعيات الخيرية -خاصة النسائية-، بل لم يكن وقتذاك "وزارة للشؤون الاجتماعية"؛ مما اضطرنا باعتبارنا الجمعية الأقدم والأولى في المملكة إلى البحث عمن سبقونا في تنظيم الجمعيات من دول مجاورة، وبعد جولات في المدن العربية للإطلاع على نظام الجمعيات العاملة هناك، تم اقتراح نظام داخلي ل"جمعية النهضة الخيرية"، ومن ثم تسجيلها في الوزارة، وقد ساهمت الجمعية في مقترح النظام للجمعيات الخيرية السعودية. أنشطة البدايات * من هنّ المؤسسات للجمعية إلى جانب سموك؟، وما هي أهم أنشطتها في بداياتها؟ - شقيقتي الأميرة لطيفة بنت فيصل والسيدة سميرة خاشقجي والسيدة مظفر أدهم -رحمهم الله-، أما سيسيل شكري ونادية عاطف؛ فقد أديتا جهوداً مميزة مع وزارة العمل خلال فترة إعداد قانون تنظيم الجمعيات الخيرية. ومن أهم الأعمال التي عملناها في بدايات الجمعية ومازلنا نحرص عليها هي الجولات الميدانية في الأحياء للوقوف على احتياجات الناس الذين كانوا بداية يتحفظون على زياراتنا ويخشوننا؛ بسبب أنهم لا يعرفون الأهداف الحقيقية لزيارتنا لهم، ومع بدء التوعية بأهداف الجمعية انتقل العمل إلى حقبة جديدة تميزت بالتعاون والايجابية. أهداف واستراتيجيات * كيف استطاعت الجمعية تحديد خياراتها الإستراتيجية في العمل وتبني الأهداف بالرغم من الصعوبات والتحديات؟ - كنا نستنبط استراتيجية عملنا من واقع احتياجات المجتمع ودراسة متطلباته وسلوك الناس وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكانت نصيحة الوالد الملك فيصل -رحمه الله- أن نُنفذ أعمالنا ومشروعاتنا دون أي ضجة إعلامية أو إعلانية مراعاة لمشاعر المستفيدين، إضافة إلى معرفة ردود أفعالهم ومدى تقبلهم للفكرة، لا سيما أن الجمعية كانت غير معروفة وفي بداياتها، حيث كنا نتوجه للناس مباشرة في بيوتهم لمعرفة واقعهم الحياتي والمعيشي عن قرب، ومن ثم نعمل على تحديد أوجه الدعم واقتراح الإستراتيجية المناسبة للعمل على تحقيق الأهداف الموضوعة. ثقافة العمل التطوعي * "جمعية النهضة النسائية" رائدة في تقديم بعض الخدمات التعليمية والصحية والخيرية والاجتماعية على مستوى المملكة.. كيف يكمن تقييم نتائج تلك الريادة على صياغة مفاهيم العمل الخيري؟ - في بدايات الجمعية كان العمل بروح الفريق والتعاون المطلق بين عضوات الجمعية، وقد أنتج هذا العمل التعاوني ثقافة خاصة للعمل التطوعي تعتمد على العطاء والتفاني في خدمة الرسالة الإنسانية وخدمة المجتمع، وقد أفرزت هذه الثقافة مبادئ وأسسا ومفاهيم جديدة للعمل الخيري. مخرجات الجمعية * ما أبرز ملامح مخرجات الجمعية التي حفزت قرارات الدعم النسائية؟، وكيف تم التعاطي معها؟ - الحقيقة إن قيادة هذا البلد والقائمين على خدمته -حفظهم الله- لمسوا حاجة للتوسع في فرص العمل النسائية، والإفادة من طاقاتها في بناء الأسرة والمجتمع، إذ تشكل مساهمة المرأة السعودية نقلة مجتمعية واقتصادية مهمة لو تم توظيفها بشكل صحيح بما يتناسب مع إمكاناتها ومسؤولياتها، ودعمت الجمعية هذا التوجه بمشروع محو الأمية وهو من أوائل مشاريعها عام (1382ه) وتعليم وتدريب الكفيفات بطريقة "برايل" -أي قبل أن تبدأ الدولة ببرامج ومشروعات محو الأمية بعشر سنوات-، وقد نجحت الجمعية في المشروع نجاحاً باهراً؛ مما لفت الانتباه إليها كرائدة في التعليم وتقديم مشروعات الخدمات الصحية في الأحياء الفقيرة، وهو ما شجّع الجهات المختصة والوزارات ذات الأنشطة الاجتماعية والتعليمية وغيرها في اعتبارها "نموذجا تجريبيا" ومُحرّكا لمشروعات وقرارات الدولة وأنشطتها الجديدة، ونحن نفتخر بذلك. مبادرات الجمعية * ماهي أهم نتائج المبادرات التي تبنتها الجمعية؟ - من أهم المبادرات التي تبنتها الجمعية مبادرة "حملة وصل" لإغاثة المتضررين من "حمى الوادي المتصدع" والتي تم إعلانها من المقام السامي، حيث كانت أول من لبّى النداء من الجمعيات؛ وبادرت عضوات الجمعية بزيارة المنطقة المنكوبة وتولّين توزيع التبرعات وتقديم المساعدات بشكل مباشر، متجاهلين تحذيرات "وزارة الصحة" من واجب الحيطة والحذر والوقاية من العدوى؛ إيماناً منهم بأهمية رسالتهن وواجبهن الوطني والإنساني، ونحن ما زلنا نقدم حتى الآن مساعدات لبعض الأسر المتضررة هناك. المبادرة الأخرى إبان "حرب الخليج" حيث بادرنا بالتنسيق مع الحكومة الرشيدة بزيارة إخوتنا الكويتيين في المراكز والمواقع التي كانوا يسكنونها وتقديم المعونات والاحتياجات المطلوبة لهم طيلة فترة ضيافتهم في المملكة، وكذلك أطلقنا مبادرة تستهدف التوعية الأسرية من خلال "برنامج التوعية بالعنف الأسري" وكان له تأثير كبير، إضافة إلى الكثير من المشروعات والمبادرات الصغيرة التي تم تنفيذها داخل الجمعية أو خارجها. الوقاية من الفقر والحاجة * كيف تم ربط الخطط الإستراتيجية للجمعية بالخطط التنموية من بداية تأسيسها بحسب حاجات المجتمع والمرأة السعودية؟ - من الضرورة المواءمة بين خطط الدولة والتخطيط الاستراتيجي للجمعية، وأن يكون هناك ترابط وتنسيق لضمان العمل بشكل صحيح ومتوازن؛ فالأهداف التنموية تنطلق من رؤية شمولية لحاجات المجتمع ومن ثم توضع من خلال إمكاناتها الكبيرة وتجربتها الطويلة خطط مناسبة يُقصد منها تطوير المجتمع وسد احتياجاته، ونحن بدورنا رفعنا من مستوى مفهوم الوعي التطوعي، وانتقلت الجمعية من دور الرعاية إلى التنمية؛ مما يخفف العبء على الجمعية، إضافة إلى الارتقاء بالخدمة من الدعم إلى تأهيل المستفيدة دعما ذاتيا لها، و يرسخ المهمة الأولى للجمعية "الوقاية من الفقر والحاجة"، والجمعية تعتمد على استراتيجيات التطوير، ولا تقتصر على تقديم الخدمة، بل تحرص أيضاً على تطوير عضواتها بالإطلاع على تجارب الدول الأخرى في هذا المجال لرفع مستوى الخدمة والجودة. خطة إستراتيجية * ماهي الخطة الاستراتيجية التى اعتمدتها الجمعية لإعادة الهيكلية في عام (2010م) لمدة ثلاث سنوات؟، خاصة بنود دعم تمكين المرأة السعودية؟ - نحن في الجمعية نُركز على تنمية الخدمات وتطويرها حسب المتغيرات الزمنية، فمثلاً في السابق كُنا نتولى توزيع الأغذية والمساعدات العينية على المستفيدات، لكننا الآن عمدنا إلى تطوير هذه الخدمة لتتوافق مع التقدم التقني، حيث نُزوّد المستفيدة ببطاقات إلكترونية ممغنطة، وهو ما يشعر المستفيدة بإنسانيتها أكثر ويحفظ لها كرامتها، ويشعرها أنها ستتولى يوماً ما تطوير ذاتها والاعتماد على نفسها، متى ما زرعت بنفسها الثقة أنها قادرة على الاكتفاء وإعالة نفسها وأسرتها، ومن مهام الجمعية أيضاً أن تساعد المستفيد على تجاوز الفقر والوقاية منه، فالاستثمار في الفرد وتطويره من أهم الحلول التي تبنتها الجمعية لمكافحة الفقر. جمعيات متخصصة * كيف تنظرين سموك وأنتِ رئيس مجلس إدارة أقدم جمعية نسائية خيرية إلى دور الجمعيات الخيرية في المملكة مستقبلاً خاصة النسائية؟ - أنا أرى شخصياً أن تتخصص الجمعيات في أعمال معينة تختارها وتلتزم بالأنشطة اللازمة لإنجاحها؛ لتقديم خدمة ذات جودة عالية وفائدة عميقة، والأهم هو التنسيق والتواصل بين الجمعيات لتوزيع الاختصاص بشكل صحيح، وهو المعمول به في أغلب دول العالم، فمثلا نحن تخصصنا في رعاية شؤون المرأة وتطويرها، وغيرنا تخصص في رعاية أطفال متلازمة داون، أو الأطفال الأيتام، وهكذا.. تطلعات للمستقبل * في احتفال الجمعية بمرور خمسين عاماً على تأسيسها، ماهي تطلعات سموكِ للجمعية كرئيسة لمجلس إدارتها؟، وعلى مستوى الجمعيات الخيرية بالمملكة؟ - أتمنى أن تستمر الجمعيات في تطوير عملها وأن يحظى هذا الجيل والأجيال القادمة بفرصة لإبداء رأيهم ومتابعة المسيرة التي بدأناها سواء في "جمعية النهضة" أو غيرها من الجمعيات، كما تتطلع الجمعية إلى زيادة الدعم المالي والمعنوي باعتبارها قطاعا ثالثا يساهم في أعمال وبناء المجتمع، وأن يتم تطبيق مؤشر قياس أداء لأعمال الجمعيات داخل المجتمع السعودي، وزيادة الإعانة بمقدار قيمة الخدمات التي تقدمها الجمعية، كذلك دراسة تقديم طلبات إنشاء الجمعية بدقة وبيان قدرتها على تنفيذ الأهداف التي من أجلها أنشئت الجمعية، إضافة إلى تعزيز مراكز الإشراف داخل "وزارة الشؤون الاجتماعية" ومنح الأقسام النسائية فيها صلاحيات اتخاذ القرار المناسب؛ لأن المرأة هي الأقدر على فهم احتياجات ومتطلبات المرأة، إلى جانب منح الفرصة لأصحاب القدرات والكفاءات الميدانية أكثر؛ كونهم من الممارسين الذين يستنبطون الحلول ومعالجة المشاكل بصورة واقعية أكثر من غيرهم.