تشهد المشاريع الكبرى بالدول الخليجية انتعاشا جديدا هذه الفترة، حيث أن الازدهار الاقتصادي الذي تمتعت به دول الخليج حتى اندلاع الازمة المالية في عام 2008 كان قد صاحبه مشاريع تنمية كبرى في مختلف القطاعات التي تشمل النفط والعقارات والسياحة والبتروكيماويات والصناعة، الا انه عندما بدأت الازمة في التأثير على المنطقة، تأجلت العديد من هذه الخطط الطموحة، او اعتبرت غير مجدية ومن ثم تم الغاؤها. ومع اتجاه القطاع الخاص الى خفض النفقات، وضعف الميل للاستثمار، سعت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، ولو بدرجات متفاوتة، الى دعم اقتصاداتها، حيث اعلنت دول الخليج عن خطط تنمية كبيرة في مختلف القطاعات وعلى رأسها الاسكان والرعاية الصحية والطاقة، وجاء ذلك اعتمادا على الفوائض المالية التي تراكمت خلال فترة ازدهار النفط. ورأى بنك الكويت الوطني في تقريرة الاقتصادي الأخير لدول الخليج إلى انه من المفترض ان تكون قيمة المشاريع التي تمت ترسيتها في دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2012 قد وصلت الى 358 مليار دولار، اي بما يشكل اكثر من 20% من الناتج المحلي الاجمالي المتوقع للمنطقة. قيمة المشاريع كما تعادل هذه القيمة اربعة اضعاف قيمة المشاريع التي تمت ترسيتها في العام 2005، حيث كانت قيمة المشاريع التي تمت ترسيتها قد بلغت ذروتها في العام 2008 عند 311 مليار دولار، اي في العام الذي شهد اندلاع الازمة المالية العالمية، وفي العام 2010، بدأت حكومات المنطقة في الاعلان عن خطط التنمية في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي ودفع الطلب المحلي، ولذلك ارتفعت المشاريع التي يتم ترسيتها مجددا، وهو ما يفسر الذروة الحالية. وكانت معظم المشاريع التي تم ترسيتها تتركز في الامارات والمملكة بنسبة 43% و40% من اجمالي مشاريع المنطقة. المشاريع الضخمة تفقد الرواج وقال التقريرانه قبل اندلاع الازمة في العام 2008، لم تكن قيمة المشاريع التي يتم ترسيتها آخذة في الارتفاع فحسب، بل كانت المشاريع الضخمة تحظى بالرواج ايضا، فقد بلغ متوسط حجم المشاريع 909 ملايين دولار في العام 2008، مقارنة مع 356 مليون دولار في العام 2005. الا انه منذ ذلك الوقت، اخذ حجم المشاريع التي يتم ترسيتها في الانخفاض، وقد بلغ متوسط حجمها في العام 2012 نحو نصف مليون دولار، فقد ادت الظروف الاقتصادية المتدهورة وضعف الميل الى الاستثمار الى تحويل الاهتمام بعيدا عن المشاريع الطموحة جدا نحو المشاريع الاصغر حجما نسبيا والاكثر واقعية. وبين التقريرانه حتى اذا كان المستثمرون مازالوا يسعون نحو تلك المشاريع الضخمة، فإنهم لن يتمكنوا على الارجح من العثور على التمويل، وذلك في ضوء ازمة الائتمان وغياب الثقة الذي نتج عن الازمة في ذلك الوقت، بالاضافة الى ذلك، فان دبي التي تعتبر معقل العديد من تلك المشاريع الضخمة قد تأثرت تأثرا كبيرا بالازمة، وبالتالي تم تأجيل او الغاء العديد من مشاريعها. وتستحوذ الامارات على اكبر حصة من نشاط المشاريع في المنطقة، فمنذ العام 2005، بلغ متوسط حصتها من المشاريع التي تم ترسيتها في دول الخليج 38%، وهو ما يجعلها تتفوق في هذا الاطار على المملكة التي تعد صاحبة اكبر اقتصاد في الخليج. وبالتالي، فان ذلك يؤكد مكانتها الرائدة خليجيا في جذب الاستثمارات الرأسمالية، الا انه في العام 2011، تراجع ترتيب الامارات الى المرتبة الثالثة بعد السعودية وقطر، اذ بسبب الازمة المالية عام 2008/2009، اصبح القطاع الخاص حذرا من الاستثمارات الجديدة، كما جمد المشاريع التي سبق التخطيط لها، وفي المقابل، تعهدت جميع حكومات دول الخليج بدعم اقتصاداتها، وأعلنت الواحدة تلو الاخرى برامجها التنموية التي تمتد لعدة سنوات. وقد حظيت السعودية وقطر بالريادة مقارنة بنظيراتهما من دول مجلس التعاون الخليجي من حيث حجم الخطط الموضوعة وربما التنفيذ ايضا، وفي العام 2010، اعتمد مجلس الوزراء السعودي خطة التنمية الخمسية التاسعة التي خصصت 385 مليار دولار للمشاريع في مختلف القطاعات حتى العام 2014، كما اعلنت قطر في العام 2011 عن استراتيجية التنمية الوطنية للفترة 2011 – 2016، وهي اول خطة خمسية لهذه الدولة الغنية بالغاز، وتم تخصيص 125 مليار دولار للمشاريع التنموية. وقد سبقت دولة الكويت دولة قطر في الاعلان عن خطة التنمية لديها والتي بلغت قيمتها 110 مليارات دولار في العام 2010، الا ان تنفيذ الخطة مازال دون المستوى المأمول حتى الآن، ولكن من المتوقع ان ينشط قريبا (منذ تحديث البيانات في شهر سبتمبر، قامت الكويت بترسية مشروع محطة الزور الشمالية بقيمة ملياري دولار)، كما اقرت عمان التي تعد واحدة من الدول ذات الاداء الافضل في المنطقة مؤخرا خطة خمسية للتنمية (2011 – 2015) تتضمن مشاريع في مجالات مثل النقل والتجارة والمرافق والتعليم والصحة. المشاريع الانشائية وحظي قطاع الانشاءات الذي يشمل مشاريع البنية التحتية والنقل والمباني والخدمات المرافقة بالحصة الاكبر من المشاريع في المنطقة، ما يعكس الهيكل الاقتصادي الاساسي للمنطقة: نقص نسبي في الفرص المتاحة في قطاع التصنيع الصناعة بما يوجه معظم الانفاق الاستثماري نحو المباني التي يستخدمها قطاع الخدمات (التمويل او السياحة ..الخ). ومع ذلك، فان الحجم المطلق لخطط قطاع الانشاءات يعتبر ضخما، فمنذ العام 2005 بلغ متوسط حصة المشاريع التي تم ترسيتها في قطاع الانشاءات 48% من اجمالي المشاريع، لتصل تلك الحصة الى ذروتها عند 80% في العام 2008، الا انه عندما ضربت الازمة المنطقة، عانى سوق العقار معاناة كبيرة، وتباطأ النشاط في قطاع الانشاءات منذ تلك الفترة، وبلغت حصة المشاريع الانشائية 71% من اجمالي المشاريع التي تم ترسيتها في العام 2012. وعلى مستوى الدول، فان المشاريع في الامارات كانت الاكثر تركزا على قطاع الانشاءات الى حد بعيد، ففي العام 2008، بلغت نسبة المشاريع المرتبطة بقطاع الانشاءات في الامارات 88% من اجمالي المشاريع التي تم ترسيتها في البلاد، وفي المقابل. وكان قطاع المشاريع في السعودية اكثر تنوعا اذ يشمل عددا كبيرا من المشاريع غير الانشائية مثل المرافق والبتروكيماويات والصناعة، وبالطبع النفط والغاز، وتمثل مشاريع الانشاءات التي تم ترسيتها في السعودية ما يزيد قليلا عن 76% من اجمالي المشاريع التي يتم ترسيتها في البلاد في العام 2008، مرتفعة بذلك عن نسبتها التي بلغت 36% في العام الذي سبقه، مما يعكس هيكل اكبر اقتصاد في المنطقة وحاجته الى المزيد من التنويع نحو القطاع الصناعي. وتجاوزت قيمة المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف مراحل التنفيذ 2.5 تريليون دولار كما في شهر سبتمبر 2012، ومن بين تلك المشاريع، فان 72% منها في مرحلة التنفيذ، و7% في مرحلة تقديم العروض، و21% مازالت قيد الدراسة. مرحلة التنفيذ وتمر الغالبية العظمى من المشاريع في السعودية والامارات وقطر بمرحلة التنفيذ الفعلي، في حين تتأخر الكويت والبحرين في التنفيذ حيث تبلغ نسبة المشاريع التي وصلت الى مرحلة التنفيذ الفعلي 30% و24% فقط من اجمالي المشاريع في البلدين، الا ان ذلك يشير الى وجود المزيد من امكانيات النمو في تلك الاسواق. ورأى التقرير انه عندما بدأت ازمة العام 2008 في التأثير على دول مجلس التعاون الخليجي، كانت المشاريع تخضع إما للالغاء او التأجيل، وكان عدد المشاريع التي تم تأجيلها او الغاؤها في عام واحد قد بلغ ذروته في العام 2011 عندما تم الغاء او تأجيل مشاريع بقيمة تتجاوز التريليون دولار، وحتى الربع الثالث من العام 2012، يبدو ان قطاع المشاريع قد بدأ بالتعافي مع عودة بعض المشاريع التي كانت مؤجلة. وقد شهدت الامارات وخاصة دبي التي تعتبر معقل المشاريع الاكثر طموحا في المنطقة اكبر عدد من عمليات الغاء المشاريع، ففي العام 2009، استحوذت الامارات على 80% من المشاريع التي تم الغاؤها او تأجيلها خليجيا. ونظرا الى ان القطاع العقاري قد تأثر بشدة بهذه الازمة وانخفضت اسعار العقارات، فقد كانت 95% من هذه المشاريع المؤجلة في قطاع الانشاءات، وهو امر لا يدعو للدهشة، الا انه يبدو ان الامارات تسترد مكانتها الرائدة في المنطقة حاليا، وتقر مشاريع بمليارات الدولارات مرة اخرى، وآخرها مشروع مدينة جديدة سيتم بناؤها من قبل شركة دبي القابضة وشركة اعمار. وخلص التقرير للقول بانه على الرغم من الغاء بعض المشاريع القديمة منذ عام 2008، ومع دخول مشاريع جديدة مرحلة التنفيذ واتمام ترسيتها، فان الاتجاه العام للمشاريع في دول الخليج قد استرد نشاطه ويتجه نحو الارتفاع، وقد ساهم هذا الانفاق على البنية التحتية في تفوق اداء اقتصادات دول الخليج مؤخرا، متوقعا ان يستمر ذلك في المستقبل القريب.