قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إنه قرر الاستجابة للطلب الذي وجهه له يوم الخميس الماضي ديونكوندا تراوري رئيس مالي بالوكالة ودعا فيه فرنسا لتقديم مساعدة عسكرية للجيش النظامي المالي للسماح له بالتصدي بنجاعة للمتمردين الإسلاميين الذين يرغبون حاليا في توسيع رقعة المناطق التي يسيطرون عليها. وجاء هذا الطلب بعد أن عجز الجيش النظامي المالي عن إيقاف الهجوم الجديد الذي شنته قوات المتمردين وسط البلاد على القوات النظامية في منطقة كونا والذي واصله أمس الجمعة المتمردون في الطريق إلى باماكو عاصمة البلاد. وأكد الرئيس الفرنسي في خطابه أمس الجمعة أمام أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة أن الهجوم الذي يشنه المتمردون على القوات النظامية باتجاه مناطق في الشطر الجنوبي من مالي يهدد أمن مالي برمته. ولكن الرئيس الفرنسي حرص خلال هذا الخطاب على ربط المساعدة العسكرية التي قرر تقديمها إلى مالي بعدة شروط أهمها ثلاثة وهي توافقها مع "قرارات مجلس الأمن الدولي "حول الأزمة المالية وإدراجها في شكل جماعي أي في إطار مساعدة تقدمها على الأقل دول الاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية. وأما الشرط الثالث فهو ربط المساعدة العسكرية بحالة تواصل الهجوم الحالي الذي تشنه قوات المتمردين الإسلاميين وسط البلاد باتجاه الجنوب. وعلمت "الرياض" أمس من مصدر دبلوماسي مطلع أن الطلب العاجل الذي قدمه رئيس مالي بالوكالة لفرنسا للحصول على مساعدة عسكرية فاجأ الرئيس الفرنسي ولكنه أقنعه في الوقت ذاته بأن الأزمة المالية دخلت فعلا في منعرج جديد على خلفية حرص المتمردين على إحراج فرنسا. وأضاف المصدر ذاته قائلا إن الرئيس الفرنسي قرر التحرك على ثلاثة مستويات على الأقل سعيا إلى إعطاء قراره الاستجابة لطلب مالي مزيدا من الجدوى والشرعية. ويتمثل هذا التحرك في إجراء مشاورات فورية مع نظرائه في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى حتى تدرج المساعدة الفرنسية في إطار أوروبي. وقررت فرنسا في الوقت ذاته تكثيف مشاوراتها مع الدول الأخرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي سعيا إلى استصدار قرار جديد يجيز استخدام القوة ضد المتمردين الإسلاميين بشكل واضح علما بأن المجلس كان قد أصدر من قبل قرارا في هذا الشأن ولكنه جعله ممكنا في حال فشل كل المساعي الدبلوماسية والسياسية لتسوية الأزمة. وقررت فرنسا من جهة ثالثة تكثيف مشاورتها مع القيادة السياسية المالية الحالية. وفي هذا الإطار سيستقبل الرئيس فرانسوا هولاند بنفسه في باريس بعد غد الإثنين رئيس مالي بالوكالة ديونكوندا تراوري. والملاحظ أن طلب مالي ورد الرئيس الفرنسي عليه ساهما في تزايد مخاوف أسر الفرنسيين الثمانية المحتجزين في منطقة الساحل الإفريقي. وفي الأثناء افاد شهود ومسؤول وكالة فرانس برس ان طائرات عسكرية تحمل اسلحة وجنود اجانب وصلت الخميس الى سيفاري (وسط مالي) حيث يملك الجيش مركز قيادة عملاني قريب من بلدة كونا التي سيطر عليها الإسلاميون في اليوم ذاته. لكن لم يتسن الحصول على الفور على اي معلومة دقيقة حول عدد تلك الطائرات ومصدرها والأسلحة والجنود الأجانب التي كانت تقلها بينما تحدث احد الشهود وهو عامل في المطار، عن رجال بيض بين الجنود. وقال الشاهد الذي يعمل في مطار سيفاري (اكثر من 650 كلم شمال باماكو) "رأيت طائرات شحن من طراز سي-160 (طائرات نقل عسكرية) تهبط في المطار ونزل منها جنود واسلحة وبعض الرجال من البيض". واوضح عامل آخر في المطار ان "الطائرات قامت بعدة رحلات الى مطار سيفاري حيث انزل منها عتادا ورجالا". وتحدث شاهد ثالث عن طائرة للجيش المالي بين الطائرات التي وصلت الخميس دون تحديد طرازها. وورد طلب المساعدة المالية في رسالتين وجهت احداهما الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والثانية الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وافاد دبلوماسيون في مجلس الأمن، ان الرسالة الموجهة الى السلطات الفرنسية هي "طلب مساعدة عسكرية". واكد ارو ان "فرنسا صديقة مالي وتقف الى جانب شعبها وسلطاتها، لا سيما في الظروف الحالية". وفي بيان صادقت عليه الخميس الدول الأعضاء ال15 دعا مجلس الأمن الى "نشر سريع" للقوة الدولية في مالي امام "التدهور الخطير للوضع" على الأرض. ودعا الدول الأعضاء الى "مساعدة قوى الأمن المالية على التصدي الى الخطر الذي تشكله المنظمات الإرهابية والمجموعات الموالية لها" التي تسيطر على شمال البلاد. من جانبها اعلنت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس ان باماكو "طلبت دعما خارجيا، تحديدا من فرنسا". وبشأن الرسالة التي ارسلها تراوريه الى هولاند، قالت "انها تقول بالمختصر: "النجدة يا فرنسا". واوضحت ان "اجماعا واضحا" حصل في مجلس الأمن بشأن "خطورة الوضع وحق السلطات المالية في البحث عن اي مساعدة ممكنة". وافادت شهادات غير مباشرة ومعلومات في عدة مواقع للتواصل الاجتماعي عن سقوط عدد كبير من الضحايا في مواجهات الأيام الأخيرة بين الجيش المالي والإسلاميين، وهي اول مواجهات منذ تسعة اشهر. ولم يتسن الحصول على اي حصيلة. لكن شاهدا اتصلت به فرانس برس قال انه تبلغ عن "مجزرة" وقعت في بلدة كونا التي سقطت الخميس في ايدي الإسلاميين وتبعد سبعين كلم عن موبتي (640 كلم شمال باماكو) حيث مقر القيادة الإقليمية لأركان الجيش المالي. وصرح ابو دردار احد قيادي حركة انصار الدين الإسلامية المسلحة الخميس في اتصال هاتفي مع فرانس برس من باماكو "نحن حاليا في كونا من اجل الجهاد". واضاف "اننا نسيطر على كامل البلدة تقريبا. وبعد ذلك سنواصل" الزحف نحو الجنوب. واكد انه يتحدث باسم الحركات الإسلامية المسلحة الثلاث التي تسيطر على شمال مالي، اي انصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. واعتبر السفير الفرنسي ان هجوم الإسلاميين يمكن تفسيره "سواء على انه استعراض قوة في اطار التفاوض السياسي او قرار زحف نحو الجنوب قبل وصول القوة الافريقية". واقر مجلس الامن الدولي تشكيل تلك القوة وقوامها ثلاثة الاف رجل في 20 كانون الأول/ديسمبر لكن نشرها سيأخذ عدة اسابيع وربما اشهر. وافاد شهود فرانس برس بأن الجيش انسحب من كونا. وقال احدهم ان "الإسلاميين دخلوا كونا وباتوا يسيطرون عليها والجنود يتراجعون حاليا الى سيفاري (12 كلم من موبتي)". واكد شاهد آخر ان "الجنود الماليين يتقهقرون باتجاه سيفاري"، واصفا وضعهم بأنه "فرار جماعي في فوضى". واضاف ان "الناس خائفون والإسلاميون اقسموا بأن يزحفوا الى جنوب البلاد".