ماذا يعني أن نوسع من مفهوم الاحتساب؟! لم يكن الاحتساب في بدء التاريخ الإسلامي مقصوراً على المظاهر الشكلية من حجاب المرأة أو ظفرها، أو عدم صلاة الجماعة. كان الاحتساب أقوى وأدق من حيث الوظيفة، ولنرجع إلى أطروحة مايكل كوك عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي وصفها رضوان السيد بأنها الأطروحة الأشمل عن الاحتساب. سنجد أن وظيفة الاحتساب كانت أخلاقية وسياسية ودينية. كان البائع الغشاش يقام عليه معنى الاحتساب، وكذلك الذي يكذب أو الذي لا يفي بوعده، أو الذي يمارس النميمة والغيبة، هذه الكوارث التي يقع فيها البعض يومياً لا تقام عليه وظائف الاحتساب.. الاحتساب مفهوم شامل وكامل بعضه يربط البعض الآخر، ولايمكن أن نحصره فقط في مسائل سلوكية أو خلافية، والقاعدة الفقهية الشهيرة التي يذكرها ابن القيم كثيراً في مؤلفاته وتصانيفه "لا إنكار في مسائل الاجتهاد". صلاة الجماعة مسألة خلافية هناك أقوال عديدة لدى الأئمة الأربعة. غير أن التطورات جعلت من الاحتساب محصوراً فقط في المسائل العادية والثانويات من الأمور في الحياة. لفتت نظري خطبة إمام الحرم الشيخ صالح بن حميد والذي قال فيها:" إن وظيفة الاحتساب وظيفة رقابية في ميادين الاخلاق والدين والسياسة والاجتماع والادارة والاقتصاد وغيرها، وقد قال أهل العلم إن الاحتساب هو الأمر بالمعروف اذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر اذا ظهر فعله تحقيقاً للعدل ونشراً للفضيلة ومكافحة للفساد والرذيلة وحماية للنزاهة والصلاح فالاحتساب عمل رقابي وتوجيه إرشادي لكل نشاط مجتمعي عام او خاص لتثبيت أصول الدين وأحكام الشرع ومعايير الاخلاق ورفع كفاءة الأداء كفاءة وأداء يتحقق به السلوك الرشيد وتعظم به المصلحة الفردية والاجتماعية"! هذه الجمل هي التي ننادي بها في مقالاتٍ سبقت أن الاحتساب يجب أن يكون أشمل من قصة ظفر امرأة برز أو عامل لم يؤد صلاة الجماعة. إمام الحرم قال هذا المعنى في خطبةٍ هي للمسلمين جميعاً، فلا أدري إن كان فعلاً بإمكاننا توسيع ضيق الاحتساب وتوسيعه ليكون مدنياً أيضاً. بآخر السطر فإن الاحتساب ليس مفهوماً دينياً فحسب بل هو أيضاً مفهوم مدني ودنيوي وله قيمة اعتبارية في المجال العام وفي واقع الناس وحياتهم اليومية..