في البدء دعوني أوضّح معنى المفردة اللاتينية الواردة في العنوان أعلاه لمن لم يسمع بها من قبل. مفردة "فانديتا" تعني الانتقام، وقد تم تجسيد إحدى الشخصيات الشهيرة في فيلم يحكي قصة محاولة تفجير مبنى البرلمان الانجليزي عام (1606م) ومن الفيلم تمت استعارة القناع. ذاع صيت هذا القناع مؤخراً بعد أن لبسه كثير من الشباب العربي أثناء ثورات ما سُمي بالربيع العربي فأصبح تقليعة شبابية انتشرت من المحيط إلى الخليج لدرجة أن حذّرت مصادر شُرطية وقانونية في دولة الإمارات حسب صحيفة (الإمارات اليوم) من تداول هذا القناع أثناء الاحتفالات بعيد الإمارات الوطني الشهر الماضي لما يحملهُ من دلالات تحريضية مُسيئة للدولة. لماذا أتحدث اليوم عن "فانديتا" والأقنعة؟ أقول: من يتأمل في أنماط سلوك أفراد بعض المجتمعات - ومنها بلادنا بالطبع - يجد الكثير من المتناقضات وما يدعو للدهشة. أكثر هذه الأنماط سلبية هو التلوّن في المواقف وإخفاء الوجه الحقيقي والثابت للفرد، لهذا أصبح الناس (ليس كل الناس) يُجيدون لبس الأقنعة. للمنزل أمام الأهل والأولاد قناع، في العمل أمام الرؤساء قناع، وأمام المرؤوسين قناع آخر، في الاستراحة مع الأصدقاء و الخلاّن قناع مرح جداً، عند الوالد قناع آخر، مع السوّاق وعامل النظافة قناع، وهكذا. أبلغُ ما قيل عن هذه الحكاية من وجهة نظر شخصيّة رسماً للمبدع "ربيع" أحد رسامي الكاريكاتير في هذه الجريدة نُشر يوم الاثنين الماضي 31 ديسمبر 2012م صوّر فيه رجلاً وزوجته يلبس كل منهما قناعاً. في يد الرجل يبدو صندوق مليء بالأقنعة. تُعطي الأم طفلهما الرضيع قناعاً يناسب وجهه الصغير. في زاوية اللوحة كلمة واحدة فقط كتبها ربيع بين هلالين بالقصد والترصّد "تربية". نعم هذا هو أسلوب تربية بعضنا لأولاده بكل أسف. صحيح أننا لا نقول لهم بشكل مباشر خذوا أقنعتكم عند كل موقف، لكننا نمارس اللعبة السخيفة أمامهم. يرون صغارنا ازدواجية تعاملنا واختلاف مواقفنا من مكان لآخر كما اختلاف تعاملاتنا بين شخص وآخر فيُدركون لاحقاً أننا كُنا نُمثّل بل لم نك صادقين أثناءها. من الطبيعي أنهم سيُمارسون لاحقاً ذات السلوك بالوراثة؛ وهذا شيء متوقع. أيها السيدات والسادة ما لم ننتهِ عن هذا السلوك غير السويّ فلنتوقع مجتمعاً بأكمله بلا وجه حقيقي، بل قد يحدث أن يلبس البعض قناع "فانديتا" انتقاما منّا.