لقد كنتَ ملء السمع والبصر، نعم كنت بجانبي في الحافلة التي أقلتنا من مطار تبوك إلى حقل، في رحلة جيولوجية علمية تاريخية، طوال أكثر من أربع ساعات كنت أنت فيها الأستاذ الخبير الذي يشرح تفاصيل تضاريس المنطقة التي كنا نسير خلال جبالها وأوديتها، وصخورها ورمالها، وكان معالي المهندس علي النعيمي خلالها يناقشك في تفاصيل التفاصيل، وكنت تستمتع في الإجابة على كل سؤال، وأنت الذي تعرف جيداً طبقات أرض هذا الوطن، كما تعرف تفاصيل كفك. كنت تجمع العينات بعين فاحصة ومدرّبة، وتصعد الجبال التي تعرفها أقدامك جيداً، وتنقب في الصخور بشغف المعرفة التي تسكنك، وقد قلت لنا بأنك وزملاءك قد أشبعتم هذه الأراضي بحثاً وتنقيباً حتى أظهر الله على أيديكم خيرات ما في باطنها، حيث تم اكتشاف الغاز في منطقة مدين، والبحر الأحمر، وكنت تحلم بأن يكلل الله جهودكم برؤية الاكتشافات المتوقعة في المنطقة، وقلت لمعالي الوزير، ولخالد الفالح رئيس الشركة، بأنه عندئذ ستكون تلك آخر مهمة لك، وأنك ستطلب بعدها إحالتك للتقاعد بعد عمر طويل من العمل الجاد والمخلص، وقد قيل لك حينها، بأنه لم يحن الوقت بعد، وهناك المزيد من الأعمال التي تنتظرك. ولكنك لم تنتظر، بل أسلمت روحك لبارئها، واستيقظ الجميع فجر اليوم التالي 1/1/2013م على الخبر الفاجعة، حيث لم تستيقظ يا عبدالله، وتركت الحلم الذي ينتظرك، فانطفأ برحيلك الأمل المعقود على خبرتك ودرايتك بهذه الثروات التي تسكن تلك الصخور والجبال والمملكة الشاسعة. لقد فقدنا في لحظة خاطفة عبدالله الإنسان، وعبدالله العالم الخبير، العامل المخلص، الذي كان يزف لنا الأمل دائماً بأخباره السعيدة للوطن، وللمسؤولين، باكتشاف هنا، وآخر هناك. لقد كنا في حيرة وأسى، في تلك اللحظة الموجعة، إذ كيف يمكن نقل الخبر المفجع إلى عائلته، إلى أبنائه وبناته، إلى زملائه في العمل الذين صحبوه طيلة عشرين أو ثلاثين عاماً، لم يجدوا خلالها فيه إلا إنساناً شهماً، وأخاً محباً، وصديقاً وفياً ومخلصاً. * المستشار لشؤون الشركات في وزارة البترول والثروة المعدنية