أسبوع مضى على رحيلك يا أبا محمد؛ أسبغ الله عليك شآبيب رحمته وأسكنك فسيح جنته، لقد كنت رجلا ملء السمع والبصر، عرفك الناس تدلف إلى منازلهم مرحباً بك بدون استئذان من خلال الشاشة الفضية التي عشقتها منذ صباك، ينتظرون زيارتك لهم من خلال البرامج التي كانت تصب في خدمة المجتمع، أو من خلال نشرات الأخبار التي غالباً تكون معها البشارات المفرحة؛ ولذلك كنت كما وصفك صديقك الصادق معالي وزير الثقافة والإعلام (صوت البشائر). نعم؛ كنت تنقل لمشاهديك البشائر التي اعتادوا عليها من حكومتنا الرشيدة الحريصة دائماً على إسعاد المواطن، أعرف تماماً أنك كنت تحرص أشد الحرص على قراءة الأخبار التي تحمل هذا النسق المفرح، وتتحاشى دائماً قراءة الأخبار المحزنة، ولذلك كنت فعلا صوت البشائر بما يسعد الناس. يا أبا محمد؛ قضيت إلى جوارك سنوات من عمري قبل أن ترحل عنا وكنت أخاً أكبر، وزميلاً أخبر، تحرص على التفصيلات الدقيقة في عملك ليظهر مكتملاً ترضى عنه أنت، ويرضى عنه مستقبلوه. كنت يا أبا محمد وفياً لأصدقائك، متودداً إليهم، حريصاً عليهم، وأعلم جيداً حرصك على مدّ يد المساعدة لمن يحتاج إليك مستفيداً من رصيدك الضخم من أصدقائك من المسؤولين الذين تربطك بهم علاقات ود بنيتها معهم خلال مسيرة عملك التي امتدت لما يقارب نصف قرن من الزمان، وحتى المسؤولين الذين لا تعرفهم فإنهم يعرفونك ويستجيبون لشفاعاتك في الخير، ولا أذكر خلال عملي إلى جوارك أن لجأ إليك أحد يطلب المساعدة فرددته، وكنت تحتسب ذلك عند بارئك، وأنت الآن بين يديه، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيك خير الجزاء على كل ما قدمت. كنت تحرص يا أبا محمد على مشاركة الجميع أفراحهم وأتراحهم، ولم يجعل منك المنصب الذي وصلت إليه متكبراً أو متعالياً على على الناس، بل ربما زادك تواضعا، ومن يقرأ الزوايا التي كنت تكتبها في صحفنا يتأكد بنفسه من سجاياك. أذكر تماماً تلك الزاوية التي أبّنت فيها زميلنا السائق وصل المطيري رحمه الله، وحديثك عن أخلاقه وصفاته الحسنة وسجاياه الطيبة، ومواساتك لأهله وذويه، ولم يكن وصل المطيري الوحيد، بل لقد جمعت رثائياتك في الراحلين عن دنيانا من جميع أطياف المجتمع في كتاب؛ فمن يرثيك يا أبا محمد؟. كنت هنا، ورحلت إلى الرفيق الأعلى، وما مرورك من هنا إلا كمرور الحلم الذي يزور الإنسان في منامه بكل التفاصيل ويراها عمراً، ولكنه حينما يصحو يحاول أن يتذكر ذلك الحلم، فيمر في ذاكرته في ثوانٍ معدودة، ونتذكر هنا ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مالي وللدنيا، إنما أنا والدنيا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها)؛ هي الحقيقة، نعم كمن يستظل بظل شجرة، وقد غربت شمس النهار فهوى الظل، وهوت معه قامة من قامات الإعلام السعودي. إنها نهايتنا جميعاً التي لا مفر لنا منها، وهو قضاء الله الذي لا راد لقضائه وقدره سبحانه، رحمك الله يا أبا محمد وألهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان. *مندوب وزارة الثقافة والإعلام بالديوان الملكي