العراق، حتى لو لم يكن له ممر بحري إلاّ عبر شط العرب إلاّ أنه يرتبط بحدود مع أربع دول عربية هي السعودية والكويت وسوريا والأردن ومع إيران وتركيا كدولتين إقليميتين ولذلك صارت هذه الجغرافيا قلقة دائماً من تقلبات الأوضاع بالعراق وقضايا الدول المحادة معه في معظم الظروف السياسية.. حالياً نجد صراعاً إقليمياً بين الدولتين المجاورتين إليه، فإيران تريد أن يكون حضورها بواسطة شيعته، وعلى أمل تكبير مساحتها بإلحاق العراق كحليف يخدم مصالحها ونفوذها، وهو الأمر الذي تحقق بواسطة السلطة الراهنة اقتصادياً وأمنياً، وصارت مسألة تغييب عروبته ومذهبه السني هدفين أساسيين. ولعب المالكي وحزبه الدور الأساسي في إلحاق العراق بإيران، وقد سبب هذا الفعل عدم استقراره وانفلات أمنه.. تركيا من جانبها ترى في استقلال الأكراد بدولة في الشمال سوف يكون نواة الدولة الكردية الكبرى في ضم أكراد سوريا مع أكراد العراق، وهذا سيخلق مشكلاً قومياً واستراتيجياً باعتبار هذا الحلم يهدد وحدة تركيا لأنها الحاضن الأكبر لهم، وكما أن حروباً نشبت بين حكومات العراق مع أكرادها فقد حدث المثل مع تركيا، ومن هنا صار العراق المشكل الأكبر للدولة الاقليمية المجاورة.. البلدان العربية الأربعة تتقاطع سياساتها مع العراق وفقاً لمجريات الظروف المتقلبة سواء ما كان منها أخذ بسلوك الدولة اليسارية التي خلقت خلافات حادة كما حدث في غزو الكويت، أو طائفية كما هو في الظرف الراهن مع حكومة المالكي والتي تحول وجهها إلى البعد عن محيطها العربي، وهو سبب لا يعزى لأمر واضح فقط غلبة المذهب وتجذره كعقيدة وأسلوب حكم.. الجوار وعدم الاستقرار في الداخل، ومحاولة تقريب فئات وإبعاد أخرى جعل العراق بلداً موحداً شكلاً ومقسماً فعلاً وفق خرائط جديدة، وأول من أعلن ذلك الأكراد، وقادت عناصر من الجنوب الذهاب لإنشاء دولتهم ويبقى الوسط دولة سنية، ونتيجة ذلك خرجت الأنبار لتطالب بإزاحة النظام والتأكيد على وحدة الوطن وفق قائمة من الشروط، ومع أن الانتفاضة بدأت محدودة، إلاّ أن محافظات وأقاليم رفعت شعارات صدمت السلطة وحاولت أن تحسم الأمور بالتهديد باستعمال القوة، غير أن اتساعها فرض أن لا يحدث الصدام، لكن ما أثار حفيظة الحكم وأنصاره رفع صور صدام حسين كرد فعل مواز لرفع صور الخميني، مما عطل وساطة الصدر الذي صدمته حالة التطور الجديد، لكن نذر ثورة جديدة بدأت تأخذ بعداً آخر.. أي بقاء حكومة طائفية لا تسعى لأن تكون لكل العراقيين، ولذلك ولدت بذور العصيان والانفجار في تلك المناطق مع أسباب تراكمية عجز المالكي عن حلها ومواجهتها..