في منطقتنا العربية وسيلة الإقصاء والانتقام إعلان تهمة إمبريالي لنظام يساري، أو عميل شيوعي لنظام يميني، والعراق أكثر من استخدم هذه الاتهامات وسوّقها، سواء صراع الأحزاب العروبية واليسارية في مراحل ما قبل احتلال العراق من أمريكا، أو الذبح على الهوية في العصر الراهن. نوري المالكي جاء للحكم بخلفية طائفية مما سبب للعراق انشقاقات وصراعات لم تنته حتى الآن، وعلى مبدأ تصفية الخصوم مثلما حدث في مراحل سابقة، بدأ يضرب القيادات المشاركة له من عرب السنة، وكذلك الأكراد حتى أن الأزمة الأخيرة معهم كادت تفجر حرباً كردية مع حكومة المالكي، والمشكل في الواقع أنه يتظاهر أنه رئيس كل العراقيين بينما أول ضحاياه نائبه طارق الهاشمي المحكوم بالإعدام ثم تلاه العديد من المبعدين من البرلمان والحكومة، وآخر من تم سجنهم حرس وزير المالية بتهمة الإرهاب والتي قد تكون مقدمة بسجنه أو إبعاده، أو تصفيته قبل هروبه. جلال الطالباني الرئيس العراقي حاول أن يلعب دور رجل المصالحات وحماية وحدة العراق وبالفعل مثل الرجل النزيه في علاقاته وإدارته للصراع، غير أن المالكي يعطي أكثر من وجه أي عدم ثبات سياسته بحيادية أمام التنوع الديني والقومي مما تسبب بترسيخ الطائفية وتشجيعها، وصارت إيران هي من تصدر القرارات وكأن العراق أحد أقاليمها وقد شهدنا كيف صارت الداعم عسكرياً ومالياً لنظام الأسد بحس طائفي غاب عنه الجامع العربي والجوار التاريخي بين البلدين، وفي الداخل صار التوجه لخلق الأزمات بين الفرقاء خطة نظام المالكي والذي أصبح دكتاتوراً أكثر مما كان يفعله صدام وبحس طائفي سيعرض العراق للانقسامات إن لم يصل إلى حد تقطيع أوصاله بثلاث دول في جنوبه ووسطه وشماله. مرض طالباني يبدو أنه خلق فراغاً جعل المالكي يريد سداده بحصر كل السلطات بيده، لكن ما هي عواقب ذلك إذا كان السنة معزولين ومحاربين، والأكراد على تماس دائم وأصوات العراقيين حتى من بين عقلاء الشيعة من الوطنيين يطالبون برحيل المالكي لأنه سبب الأزمات وتصاعدها، وعملياً فالمؤشرات التي كشفت فضائح الفساد وتدني مستوى الخدمات لبلد تصاعدت عائداته من النفط ما فاق السنوات والعقود الماضية، وكيف أنها تذهب لخارج إعمار العراق أو الاهتمام بالشعب، حتى أن عقود الكهرباء والبنى التحتية الأخرى صارت مجرد عقود على الورق فقط؟ بلا شك أن ما حدث لحراس وزير المالية مقدمة لتصفية العديد من المناوئين للنظام، وهي مسألة تكررت والسيناريو سيطال آخرين، غير أن العراق الذي ظل يكافح النظم السابقة بغطائها الحزبي، أو الطائفي، سيجد أن تعريضه للعراق للتفتت خط أحمر، وأنه من المستحيل أن تملى عليه السياسات من الخارج سواء إقليمياً أو دولياً. عموماً ما يجري مقدمات لأزمات طويلة فتأجج الطائفية أو افتعال قضايا مع الأكراد، أو دعم نظام سوري آيل للسقوط، هي تصرفات لا تخدم مصلحة العراق طالما نوري المالكي هو من يعتمد خلق الصراعات واستثمارها في بقائه.