ابن الرومي يقول: عدوك من صديقك مُسْتَفاد فلا تستكثرنَّ من الصحاب فإنّ الداء أكثر ما تراهُ يحول من الطعام أو الشراب إذا انقلب الصديق غداً عدواً مبيناً، والأمور إلى انقلابِ ولو كان الكثير يطيب كانمت مصاحبة الكثير من الصواب ولكنْ قلما استكثرت إلاَّ سقطت على ذئاب في ثياب فدع عنك الكثير فكم كثير يُخاف، وكم قليل مُستطاب أما الحكمة العربية فتقول: ألف صديق ليس بكثير، ولكن عدواً واحداً كثير.. قلت: والصداقة بهجة الحياة وزهرة الاجتماع البشري وزواج الأرواح.. الصداقة الحقة تعتمد على تقارب الأرواح والطباع، ويرى العقاد أن (جامع فهم الطرفة) من أهم أواصر الصداقة.. فما يضحك هذا لا يضحك ذاك.. فإذا كان الموقف أو النكتة تثير رد الفعل الضاحك بقاسم مشترك دائم بين اثنين فهما قريبان من بعض مؤهلان للصداقة.. قلت: وأهم ما في الأمر هو (الندية) بين الأصدقاء ورفع الكلفة وعدم التفكير في المادة أو المصلحة.. والذين لهم أصدقاء كثر اجتماعيون بطبعهم.. ولكن يغلب أن تكون صداقتهم سريعة ونسيانها كذلك.. * وابن الرومي يرى أن كثرة الأصدقاء تلد الأعداء، كما أن كثرة الطعام تورث الأمراض، وهذا صحيح إلى حدّ بعيد، فرض هؤلاء.. يغضب هؤلاء.. وهكذا.. وهنا يسود التكلف والمسايرة ولا سعادة مع التكلف لأنه جزء من التمثيل والتوتر.. وكانوا يقولون: (ابن لك في كل بلدٍ قصراً..) يكنون بالقصر عن الصديق.. * وما أجمل قول المتنبي: (شرُّ البلاد بلاد لا صديق بها وشر ما يكسب الإنسان ما يصمُ لأن الحياة بدون أصدقاء.. صحراء.