نستكمل في هذه الحلقة لقاء الكاتبة الانجليزية فيوليت ديكسون بالأميرة نورة بنت عبدالرحمن عام 1937 م ويشمل أبرز المحاور التي عدتها الدكتورة دلال الحربي في كتابها نساء شهيرات من نجد بروحها التي تنم عن معرفة دقيقة بسلوكيات التعامل مع الآخرين وهي تبدي إعجابها بحلق الأذن وكذلك الملابس التي ترتديها الكاتبة وهو سلوك رائع جدا ينم عن تواضعها ومحاولة إيجاد رابط يشعر ضيفتها بالقرب منها والاهتمام بها، وأيضا على ما يؤكد بأن الأميرة متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر حينما عبرت عن رأيها عن الهاتف في ظل الصراع العقائدي حول جواز استخدامه وذلك بقولها ( الكويت وجاراتها ) : رنت دقات الهاتف في منزلها، ودخلت جارية وفتحت صندوقا صغيراً مدبب الغطاء، كان مثبتاً بالحائط فوق راسي وبدأت تتحدث وتضحك، ونقلت لسيدتها بعض ما سمعت ثم أجابت بالرد. وقلت معترفة مازالت أعصابي لا تتحمل الهاتف قالت نورا لماذا؟ انه جيد جداً، ولست ادري كيف يمكننا ان نتصرف بدونه. وأثناء هذه المحادثات كانت تدور علينا فناجين القهوة، وأكواب الشاي. وقالت: الشيوخ يأتون هنا دائما بعد الظهر، ولذلك أتوقع وصولهم بعد فترة وجيزة. فلنذهب إلى الجانب الاخر لنتناول بعض الفاكهة حتى ننتهي قبل حضورهم. واصطحبتني لنختار بهواً نظيفاً أرضيته من الطين الجاف، إلى ركن في الشرفة المواجهة حيث وضعت على قطعة مربعة من النسيج الأمريكي المزخرف أطباق تحتوي على ثمرات الكمثرى والخوخ والأناناس، والبسكويت ، والفاكهة الدمشقية، ومددنا أيدينا وبدأنا نتناول قطع الفاكهة باستخدام الملاعق التي قدمت لنا وغمرنا إحساس جميل بالانتعاش والبهجة. وسألتني: لماذا لا تأتين عندما يكون لدينا فاكهة طازجة؟ منذ شهر فحسب كانت جميلة جداً وقلت لهن لقد عدت لتوي من انجلترا ولذلك لم أتمكن من الحضور قبل ذلك الموعد وما كدت انتهي من تجفيف يدي حتى سرى في الجو شيء من التوتر ووصلت إلى مسامعي كلمة ( الشيوخ ) وقالت لي نورا تعالي.. تعالي ثم اندفعت لتعبر البهو لتحية شقيقها، كان الملك يجلس الآن على مقعد كبير في نفس المكان الذي كنا نجلس فيه ويقف بالقرب منه ابنه الاكبر الامير سعود.. وقف الملك العظيم ليحييني وعلى وجهه ابتسامة رقيقة وكرر عدة مرات بالعربية كيف حالك وبعد تبادل التحايا دعاني للجلوس فجلست على الارض إلى يمينه بينما جلست شقيقته نورة إلى شماله وبدأت نورا تروي له كل ما قلته لها وكيف جعلتني أعدها بأن أصبح من أتباع محمد وأتوجه إلى مكة. وقلت: يا عبدالعزيز انك ستقطع رقبتي اذا ذهبت انا الكافرة وضحك وضحكنا وسألته نورا من هو زوجها .؟ - ديكسون، صديقي منذ سنوات عديدة وقالت نورا يبدو انها تعرف كل شيء وقد طلبت مني السماح لها بزيارة البوابة الكبيرة لقصر عجلان والتي ما زالت رأس الرمح مثبتة بها بالطبع يجب ان تزورها ولكن من أين حصلت على كل ما لديها من معلومات .. هنا نظر إلي الملك وضحك وأجبت أنت تعلم خيرا مني أيها الملك وفهم ما اعني انه ( شخصية عظيمة ). قال: الم تقومي بزيارة قصري الجديد بعد؟ لا بد لك من زيارته . وهمهمت، أطال الله عمرك. قالت نورا: لقد قالت لي بأنني أبدو كفتاة صغيرة، وكأنني شقيقة بنتي. وصحت : حقا يا نورا، لو أني زوجي طلقني في يوم ما فسوف أحضر على الفور لأعيش معك دائما، أريد أن اظل شابة مثلك، إن سرعة الحياة وهديرها في الغرب يجعلنا نشيخ مبكرا. ومرة أخرى ضحك الملك من كل قلبه، ثم نهض وانصرف وبقي الأمير سعود واقترب ولفت نورا ذراعها حول رقبته وسألتني وهي مزهوة كل الزهو .. كيف ترين سعود .؟ مثل والده .؟ وأجبت نعم.. وكم هو ممشوق القوام . وجلسنا مرة أخرى بعد ما تحدثت مع سعود بالانجليزية وجاءت القهوة والشاي وأقبلت سيدة بدوية نحيلة القد فقمنا جميعا لتحيتها وقلن هذه زوجة الملك قالت نورا بأنها شقيقة الشيخ فواز من الرولة. وانضمت إلى هذه الوجوه ناعمة البياض كالحليب، كانت يدها متورمة وكان الجميع يقدمن لها النصائح لعلاجها. وطلبت من نورا هل تسمحين لي بالانصراف؟ مسموح لك وسوف تذهب جاريتي لتتجول معك في جميع أنحاء القصر الجديد ولكن أسرعي قبل أن تغيب الشمس وتغلق البوابات .. وانصرفنا واتجهنا صوب قصر الشمسية. وفي لقاء آخر بعد ما شاهد الجميع رقصة الحرب التي أقيمت بإحدى المناسبات وشارك بها الملك وأبنائه وضيوفه تقول . جاءتني نورا وقالت أنها بحثت عني ولم تجدني لأنها كانت تشاهد الرقصة من غرفة مطلة أخرى ثم تحولت نحو الأخريات وسألت عن الشخص الأجنبي الذي قبل الملك وهل هو زوجي ديكسون ؟ وأجبتها كلا. انه بن شيخ دبي. ولم تسأل من أين جئت بهذه المعلومة وسألتها ألم تري ديكسون؟ بالطبع رأيته، أبلغيه أفضل سلامي. قلت هو أيضا يبلغك المزيد من السلامات يا نورا. وهنا أخذت تمعن النظر في قرطي وأبدت إعجابها به فنزعته وقدمته لها لتشاهده عن كثب. وسألت من أين جئت به ؟ من القدس منذ عدة سنوات وهو من صنع بخارى. بعيدا.. بعيدا فيما وراء فارس.. وكم تكلف ؟ أعتقد ثلاث جنيهات ليس غاليا، ثم أبدت إعجابها بالتطريز الموشى بخيوط الذهب الذي يزين عباءتي الحريرية السوداء قلت لها ان هذا النوع من الاقمشه ورد حديثا لأسواق الكويت. ومرة أخرى التقت الملك وبادلها التحيات وتحدث معها بعض الوقت ثم طلبت منه ان يسمح لها بزيارة ( الصمان ) وقت الربيع لترى الزهور فابتسم ووعدها بذلك .!! فيوليت.ديكسون