يبدو ان اليورو نجا من الازمة بعدما كان مهددا بالزوال قبل بضعة اشهر، ولا سيما بعد الاتفاق حول الدين اليوناني الذي اشاع اجواء من التفاؤل في اوروبا، لكن العام 2013 سيبقى عاما بالغ الصعوبة نتيجة ما تسببت به الازمة من عواقب اقتصادية واجتماعية كاسحة. وكان المحللون يتبارون قبل عام على اصدار التوقعات حول تاريخ خروج اليونان من منطقة اليورو، وفق سيناريو لم يكن مجرد فرضية بل واقعا مرجحا، وقد استمرت هذه التوقعات القاتمة لجزء كبير من السنة. اما اليوم فيقول يانيس ايمانويليديس من مركز السياسة الاوروبي للدراسات ان "احتمال ان يغادر اي من الاعضاء منطقة اليورو تبدد"، واعلن المفوض الاوروبي للشؤون الاقتصادية اولي رين ان "العديد من المراقبين كانوا يعتبرون ان اليونان خسرت معركة (البقاء) في منطقة اليورو.. نعلم الان ان اصحاب هذه التكهنات المتشائمة كانوا مخطئين". الا ان ذلك تطلب اجتماعات كثيرة لوزراء مالية منطقة اليورو، شهد بعضها توترا شديدا، وفي 13 ديسمبر حصلت اليونان اخيرا على جزء من المساعدة بقيمة 34,3 مليار يورو كانت بحاجة اليه لتجنيبها الافلاس، ونتيجة لهذا الاتفاق قامت وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني في خطوة ملفتة ورمزية برفع تصنيف ملاءة اليونان ست درجات، مما عزز اليورو فورا في مواجهة الدولار. والخبر السار الثاني في نهاية السنة كان التسوية التي توصل اليها وزراء المالية الاوروبيون حول فرض نظام رقابة على المصارف في منطقة اليورو. وهنا ايضا اعتبر التقدم تاريخيا بعد اسابيع من التعثر، فالرقابة الموحدة على المصارف هي الخطوة الاولى نحو وحدة مصرفية ستسمح مستقبلا بمنع الازمات التي تطاول المؤسسات المالية من الانتشار الى باقي الاقتصاد. غير ان المنعطف الحقيقي في العام 2012 حصل بالتأكيد في الصيف حين وعد رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي باتخاذ كل التدابير الضرورية لانقاذ اليورو وفي مطلع سبتمبر عرض خطة تحركه التي تقوم على برنامج لاعادة شراء سندات ديون الدول التي تواجه متاعب بدون تحديد سقف لهذه العمليات، في مبادرة اثارت على الفور ارتياحا في نسب الفوائد على القروض الاسبانية والايطالية. واغتنمت مدريد هذا التطور لترجئ الى اجل غير مسمى طلب مساعدة مالية لمجمل اقتصادها كان يتوقعه جميع شركائها. وان كانت اسبانيا طلبت تدخل منطقة اليورو، الا ان هذا الطلب اقتصر على مصارفها وبمستوى 40 مليار يورو بدل مئة مليار متوقعة، وبالرغم من ذلك فان الجميع متفق على عدم الاسراف في التفاؤل واعلان النصر، ويرى محللو "سي ام-سي اي سي سيكيوريتيز" ان جدول اعمال القادة الاوروبيين للسنتين المقبلتين "يبدو اكثر هدوءا وسيتعلق بشكل اساسي بتطبيق اليات المراقبة والافلاس الخاصة بالمصارف". غير ان المناقشات حول تعزيز التكامل في منطقة اليورو قد تكون "محتدمة وفوضوية" برأي مجموعة باركليز التي "لا تستبعد خروج خلافات عميقة الى العلن، ما سيفتح الطريق لتوترات جديدة في الاسواق المالية"، ويبقى الغموض المحيط بالعام 2013 سياسيا بالمقام الاول بنظر ايمانويليديس الذي يذكر من عوامل الغموض هذه تنظيم انتخابات في ايطاليا ثم في المانيا بالاضافة الى "نظام سياسي يوناني لا يزال في وضع حرج"، ويتخذ هذا الغموض بعدا اقتصاديا واجتماعيا ايضا حيث تتهم جهات عدة بينها صندوق النقد الدولي الاقتطاعات الصارمة في النفقات العامة وعواقبها الخطيرة على الوظائف والاجور وانظمة التقاعد، بانها تسببت بتفاقم الازمة. ودخل اقتصاد منطقة اليورو في انكماش في الفصل الثالث من السنة مع ترجيح المزيد من التراجع في اجمالي الناتج الداخلي في الفصل الرابع. ولا يتوقع انتعاش الاقتصاد الا خلال العام المقبل، ما يرجئ الى وقت لاحق تراجع البطالة التي طاولت 11,7% من القوى العاملة في تشرين الاول اكتوبر، مسجلة رقما قياسيا مع تحقيق اعلى نسبة في اليونان واسبانيا حيث بلغت 25%. وقالت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل ملخصة الوضع خلال القمة الاوروبية الاخيرة للعام الجاري "حققنا شيئا حتى الان، لكن اعتقد اننا ما زلنا نواجه حقبة بالغة الصعوبة".