بلغت الأجور وحدها في أوروبا وبالذات فرنسا وبريطانيا حدا جنونيا , يكفي معه أن تت خذ مقياسا لضخامة تكلفة السياحة على رب العائلة, وإذا كان الناس في دول أخرى يحتاجون فقط إلى اجازات العمل ليجدوا قريبا منهم, وربما في مدنهم ذاتها ما يشعرهم بالراحة, ويغني أطفالهم بمغريات الترفيه, فإننا في هذه المدن الصحراوية نحتاج إلى تبديل المكان لأسباب اجتماعية ومناخية وسياحية.. لقد تصاعدت أرقام التكاليف لتصل في الحد الأقل إلى حدود المائة وخمسين ألف ريال وإلى ربع المليون في متوسطها العام.. من هو المجنون.. بل من هو القادر أساسا على دفع هذا المبلغ سنويا ..؟.. إذا فالسياحة الداخلية ضرورة لابد من تلاقي كل الجهود لإنجاحها مع الترغيب عند التنويع بالسياحة العربية التي ما زال رو ادها يتكدسون بالمدن الحارة دونما أي اهتمام بالسواحل والمرتفعات, وهم يقصدون المدن كي "يتفر جوا" على بعضهم.. ولا أتصور أن حفلة غنائية لفنان متمكن وواسع الشعبية مثل محمد عبده ستكون كافية لإنجاح السياحة الداخلية.. الناس يريدون مطاعم متنوعة الهوية.. حدائق عامة .. مجم عات سكنية مريحة.. مدن ألعاب.. ومعروف أنه لا يجوز منا أن نطالب الدولة بذلك, حيث لا يعتبر هذا العبء من واجب الحكومات, ولكنه جزء من مغريات الاستثمار الأهلي الخاص, فلماذا لا تفعل ذلك رأسمالياتنا المحلية المتخصصة بمثل هذا النوع من الاستثمار؟.. لأنه لا يجوز أيضا أن أتوج ه إلى بنك ما, أو شركة زراعية, أو منشأة صناعية, فأطالبهم بذلك لمجرد كونهم يمارسون التجارة.. هناك رأسماليات محلية معينة لها اهتمام خاص بمثل هذا النشاط, فلماذا لا تتواجد مشاريعها الاستثمارية في عسير, والطائف, والباحة..؟.. لقد ذهلت أثناء زيارتي هذا الصيف لعدد من الدول العربية السياحية مثل تونس, ولبنان, والمغرب, أن أجد حضورا مكث فا لرأسماليات سعودية, هناك بعضها كاسد أو خاسر ولا أثر لها إطلاقا في مواقع الاحتياج لها داخل بلادنا.. والطريف أن بعض هذه الرأسماليات تكو نت محليا بسرعة غريبة ثم انتشرت بسرعة مماثلة في مواقع كسادها الراهن, وكان الأولى بها ردا للجميل ومكافأة لوطن أتاح فرصة الثراء السريع أن تتجه إلى مجال خدمة اجتماعية له هوامش ربح غير قليلة, بل سيعطي أرباحا منافسة لما هي تبحث عنه في الخارج.. ثم م ن هو السائح الذي يستأجر بمبالغ مجزية هناك.. أليس هو السائح السعودي..؟ إذا وبمتابعة اقتصادية محضة, وليس شرطا أن تكون متابعة وطنية ستجد هذه الرأسماليات أن هذا السائح السعودي بات يفض ل الذهاب إلى مدن الداخل بحثا عن أسعار أكثر معقولية مما يلقاه في مدن أوروبا الكبرى.. والتي لا تغري غيرها من المدن الأخرى الفئات القادرة على الدفع الأفضل في الذهاب إليها, وأعني بذلك سياحة العائلات وكبار رجال الأعمال الذين يمثلون أهمية كبيرة في رصد نوعيات الفئات المؤثرة ماليا على دخول السياحة..