إن وضع أية خطة علمية للتدابير الوقائية يتطلب توفير بيانات تفصيلية من كافة المصادر والجهات ذات الصلة، تشمل الخصائص البيئية العامة واتجاهات التحوّل فيها، وطبيعة البنية التحتية الأساسية للمدن والبلدات المعنية في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2012، اختتم في العاصمة القطرية الدوحة، مؤتمر الأممالمتحدة الثامن عشر للتغيّر المناخي، بعد سلسلة محادثات بدأت في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، وشاركت فيها 194 دولة. وقد أسفر المؤتمر عن تمديد بروتوكول كيوتو للحد من انبعاث الغازات الدفيئة حتى العام 2020. وكان سينتهي العمل بهذا البروتوكول نهاية العام 2012. ووعدت مجموعة من الدول الغنية الدول الأقل نمواً بمنحها تمويلات إضافية لمكافحة الاحتباس الحراري. وجرى اتخاذ قرار بوضع برنامج عمل في العام 2013 لمساعدة الدول الغنية على تحديد سبل جمع الأموال التي تطالب بها الدول النامية للمرحلة الانتقالية، الممتدة بين عامي 2012 - 2020. ومن المقرر أن يُعقد المؤتمر الأممي القادم حول التغيّر المناخي في بولندا في العام 2013. وحددت الأممالمتحدة العام 2015، كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق عالمي جديد لخفض الغازات الدفيئة، تشارك فيه كافة الدول، بما في ذلك الصين والهند. وسيكون هذا الاتفاق، المقرر توقيعه في باريس، بديلاً عن بروتوكول كيوتو. وسيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من العام 2020. وبصفة عامة، لا تبدو قضية المناخ سهلة في مقاربتها الكلية والشاملة. بل نحن بصدد مسألة شائكة، تفرض قدراً كبيراً من التحديات. إذا بدأنا بالحديث عن المرحلة الثانية من بروتوكول كيوتو، نجد أن هذه المرحلة تلزم الاتحاد الأوروبي واستراليا وعشر دول صناعية أخرى. وتتسبب هذه الدول مجتمعة بما نسبته 15% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. وقد تخلت كل من كندا وروسيا واليابان ونيوزيلندا عن بروتوكول كيوتو، الذي لم تصدق عليه الولاياتالمتحدة، ولم تكن الصين شريكاً فيه بالأصل. وبالنسبة للأسرة الدولية عامة، فإن عدم خفض الانبعاثات يُمكن أن يؤدي إلى زيادة حرارة سطح الأرض بأكثر من أربع درجات مئوية بحلول نهاية القرن. والهدف الذي تم تبنيه عالمياً هو السيطرة على وتيرة الارتفاع، ليكون العالم أمام زيادة قدرها درجتان مئويتان فقط بحلول ذلك التاريخ. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الهدف، المتواضع أصلاً، يبدو صعب المنال، وفقاً لأغلب التقديرات المتخصصة. وهذا يعني مبدئياً أن على البشرية مواجهة ظواهر مناخية أكثر تواتراً وشدة. ووفقاً لتقرير جديد للبنك الدولي، فقد كان عام 2010 أشد الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث سجّل 19 بلداً ارتفاعات قياسية جديدة في درجات الحرارة. على صعيد النقاش العالمي حول التغيّر المناخي، طلبت الدول النامية، في مؤتمر الدوحة، مساعدة مالية لمواجهة آثار الاحتباس الحراري، قدرها ستون مليار دولار حتى العام 2015. وذلك للانتقال من المساعدة الطارئة، البالغة 30 مليار دولار، التي تقررت للعامين 2010-2012. وسبق أن وعدت البلدان الغنية بتوفير 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية، اعتباراً من عام 2020. وقالت البلدان الغنية إنها حققت هدف تقديم ال 30 مليار دولار الذي وعدت به. ورأت أنها غير قادرة، في ظل ركود عالمي، على تقديم التزامات قوية بتمويل جهود الدول الفقيرة على التكيف. وبلغت القيمة الإجمالية للتعهدات الوطنية، التي قدمتها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا والسويد والدانمرك، والمفوضية الأوروبية، في محادثات الدوحة، أكثر من 6.8 مليارات يورو للعامين المقبلين، بزيادة على عامي 2011 و 2012. وليس من الواضح ما إذا كانت التعهدات الخمسة ستوجه تحديداً إلى التكيف مع تغيّر المناخ، أو ستكون جزءاً من المساعدات الإنمائية الرسمية، التي تقدمها الدول الغنية إلى البلدان النامية. وتدعو اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الدول الغنية إلى تقديم أموال للتكيف مع تغير المناخ، بالإضافة إلى المساعدات الإنمائية الرسمية. وهناك من جهة أخرى مسألةُ التعويضات التي تطلبها دول الجنوب من الشمال مقابل "الخسائر والأضرار" المرتبطة بالتغير المناخي. وتريد الدول الأكثر فقراً تطبيق آلية في هذا الشأن، بينما تخشى بعض الدول الغنية من أن يؤدي ذلك إلى دعاوى قضائية. وكانت الدول النامية، ومن ضمنها الدول الجزرية الصغيرة، تسعى إلى استصدار قرار بإنشاء آلية دولية للتصدي للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، من شأنها أن تفتح الباب لاحتمال تلقي البلدان الفقيرة، التي تواجه التكاليف المتزايدة للظواهر المناخية الشديدة، تعويضات من البلدان الغنية. ومن شأنها أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار خسائرها الاقتصادية وغير الاقتصادية، وربما استكشاف التدخلات التكنولوجية. وفي الأخير، اضطرت البلدان النامية إلى قبول إمكانية حدوث ذلك في مؤتمر الأممالمتحدة التاسع عشر بشأن التغيّر المناخي، الذي سيعقد في بولندا في العام 2013. من جهة ثانية، تقرر تمديد زمن العمل ببرنامج جمع البيانات المتعلقة بالخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث بطيئة الظهور، مثل حالات الجفاف. وسيدرس البرنامج أيضاً تأثير تغيّر المناخ على أنماط الهجرة والنزوح، فضلاً عن الجهود المبذولة للحد من تلك المخاطر. وتعكس القرارات المتعلقة بالخسائر والأضرار الكثير من ملامح الإطار المقترح من قبل مجموعة من المنظمات غير الحكومية، الذي طرح في وقت سابق من المؤتمر. ونظراً لتمديد زمن البرنامج، سيتم توفير المزيد من المعلومات حول نهج السياسات المحتملة، الأمر الذي سيساعد المنظمات الإنسانية على توسيع نطاق استجاباتها للظواهر المناخية الشديدة، التي تتزايد وتيرتها وحدّتها. إلى ذلك، جرى تأجيل النقاشات الخاصة بالدعم الذي تحتاجه الزراعة إلى مؤتمر العام 2013. وينتج عن الزراعة انبعاث الغازات الدفيئة الرئيسية مثل أكسيد النيتروز والميثان. وتشير تقديرات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن الزراعة مسؤولة عن 13.5% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتسبب بها البشر. بيد أن تغيّر المناخ يُمثل في الوقت ذاته تهديداً للزراعة، وسبباً للخسائر التي تتعرض لها. ووفقاً للتوقعات السائدة، فإن إنتاج المحاصيل الغذائية قد يتراجع بنسبة 5%، لكل ارتفاع قدره درجة مئوية واحدة للمتوسط العالمي لحرارة سطح الأرض. وقد مارس ممثلو الدول النامية ضغطاً من أجل وضع الزراعة في قسم التكيّف، في النص الذي جرى التفاوض بشأنه في مؤتمر ديربان حول التغيّر المناخي عام 2011. وسينتج عن ذلك التركيز على مساعدة المزارعين في الدول الفقيرة ليكونوا قادرين على التكيف مع تغيّر المناخ، بدلاً من التركيز على خفض الانبعاثات المرتبطة بالزراعة. وتدعم بعض الدول الغنية مفهوم الزراعة الذكية الملائمة للمناخ، الذي أعلن عنه البنك الدولي أثناء مؤتمر ديربان عام 2011. ويستهدف هذا المفهوم مساعدة صغار المزارعين على تبني ممارسات زراعية، مثل الأرض الزراعية المنخفضة التي تقوم باحتجاز الكربون في التربة، ومنع إعادة دخوله إلى الغلاف الجوي. بقي أن نشير، على صعيد المقاربة العامة للتغيّر المناخي، إلى أن المؤشرات الخاصة بتداعيات هذا التغيّر تبقى نسبية. وغالباً ما تكون متواضعة في تقديراتها، خشية من زيادة حجم الالتزامات المطلوبة من الدول المختلفة. وفي المجمل، يجب على الدول المعرضة للظواهر المناخية المتطرفة، اتخاذ تدابير احترازية شاملة، خاصة على صعيد البنية التحتية للمدن والبلدات التي يتوقع شمولها بهذه الظواهر. ومبدئياً، فإن البنية التحتية التي يجري بناؤها اليوم في أية دولة ستظل قائمة لسنوات عديدة. ومن هنا، يُمكن لزيادة متانتها ومرونتها توفير حماية مستقبلية للسكان. وقبل وقوع الظواهر المناخية المتطرفة، ليس من الواضح دائماً ما الذي ينبغي القيام به على وجه التحديد. وكذلك من الصعب معرفة الفرق الذي ستحدثه التدابير الوقائية. ومن الصعب أيضاً تحديد النفقات المطلوبة لهذه التدابير على وجه نهائي ودقيق. وعلى الرغم من ذلك، فإن التدابير الوقائية تبقى حاجة لا غنى عنها. فهي ضرورة كبرى للمحافظة على حياة السكان وممتلكاتهم. وهي، في السياق الأوسع، أحد مقتضيات الأمن القومي للدول المختلفة. إن وضع أية خطة علمية للتدابير الوقائية يتطلب توفير بيانات تفصيلية من كافة المصادر والجهات ذات الصلة، تشمل الخصائص البيئية العامة واتجاهات التحوّل فيها، وطبيعة البنية التحتية الأساسية للمدن والبلدات المعنية، ومواصفات العمران المدني، وحجم ونوع الأنشطة الصناعية والتجارية، وشكل واتجاهات الحركة المرورية، وحجم الكتلة السكانية وتوزيعها الجغرافي. بعد ذلك، يجري وضع خطة تنفيذية، يحدد فيها سلّم الأولويات، والجدول الزمني، والتكلفة المالية، وجهات التنفيذ، والجهات الرقابية. وهذه الأخيرة يجب أن تكون مستقلة، ولها الكلمة الأخيرة في تقييم ما يجري تنفيذه، ومدى مطابقته للمعايير العلمية المعتمدة عالمياً. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن التغيّر المناخي أضحى قضية مركزية في حسابات الشعوب والأمم. وبات عنصراً رئيسياً متقدماً في مقاربات الأمن القومي للدول المختلفة..