تتفاعل حيوية نص الفيس بوك إبداعيا، عبر لغته وصوره؛ فتنهض للنص حركة جديدة في ذات المتلقي، ما يجعلنا أمام نمط جديد من القراءة، ليس مثل القراءات النقدية قبل الفيس بوك، وليس كذلك مجرد تعليقات إعجاب ومجاملة، ما يجعل عد ذلك تفاعلا نصيا مع النص أمرا ظاهرا وواضحا تمام الوضوح، إذ خلقت صور النص، وعوالمه، وذاكرته التي يحيل إليها لغة حاضرة في تكوين المعلق الذي يشتعل بتأويل النص. في اللقاء السابق استوقفنا التأمل في التعليقات التي تفاعلت مع نص حسن الزهراني، وكانت بعض هذه التعليقات عبر الفيس بوك حول النص حافلة بتكوُّن مساحة من امتداد النص عبر التلقي، ومشكلة نمطا من قراءة النص، يختلف عن نمط القراءة النقدية المألوفة التي تعتمد التحليل، ومعالجة الصور، ونمط التعبير، إذ القراءة هنا عبر هذه التعليقات تستحضر فضاء النص في الذاكرة والوجدان، وتصنع من التقاء بذلك صوره في تعليقاته من فئة بعضها ليس من عرف بالنقد وإن عرف بالإبداع، وبعضها لم يعرف بهذا ولا ذاك، وإنما حركها النص، وهنا تقف حركة نص الفيس، وإشعاله دواخل المتلقي وطاقاته ظاهرة مشهودة، لنقف مع هذا التعليق لسارة الصافي الذي تقول فيه: (والله لم أشعر بشوق عارم لبلاد غامد وزهران كما اشتقت إليها وأنا أصارع ذاكرتي التي جذبها الخيال المكثف وكل حرف كتبته أيها المبدع، نقلني إلى واقع حقيقي حتى خلتني اقطف أغصان الشث واسمع صوت السواقي وصوتها تحمل صداه الجبال، هذه المعزوفة معزوفة الذاكرة أسميتها التي أسرتني ليست مقاطع من نور يا أستاذ حسن وحسب، بل إنها لوحة فنية رسمها فنان محترف مزج الألوان بدقة وحدد الزوايا والأبعاد بذكاء فائق حتى انها تشكلت في وجداني وأعادت لي ذكريات جميلة ومناظر بديعة في زمن جميل تخثر بهذا النص في دمي عزيزي الأستاذ المبدع حسن الزهراني لك التحايا معطرات)، تلحظ في هذا النص التعليقي، تأملا في مسار فيوض النص في ذات المتلقي: (أصارع ذاكرتي التي جذبها الخيال المكثف)، ولم يقف الأمر عند صراع الذاكرة، بل تجاوز إلى التماهي مع حركة النص (حتى خلتني أقطف أغصان الشث، وأسمع صوت السواقي وصوتها تحمل صداه الجبال)، (حتى إنها تشكلت في وجداني)... هذه التعبيرات تشكل مدى الإحساس والطاقة الكامنة خلف الكلمات، ما يبين مدى اشتعال الذات المعلِقة بطاقة النص. أما سالم هلال، فإن عرف بكتاباته وحواراته، فلم يعرف بكتابة نقدية، لكنه هنا يقدم تفاعلا مع النص، يحمل طاقة إبداعية، وطاقة تفاعلية، تنم عن قدر من التفاعل والتماهي مع النص، فهو يقول: (قصيدة رائعة صورت التفاصيل الدقيقة لحياة الناس في القرية لدرجة أحسست معها بأنني أمام مشاهد حية سبق أن عشتها، بل لا أبالغ إن قلت إنني تلفت يمنة ويسرة حتى "رأيت منزلنا القديم وحجرة كانت بها أمي تمد وسادي)، فهذا التعليق مثل تعليق سارة السابق، به التفاف من الذات حول عالم النص وذاكرته، فيه استسلام لطاقة الإيهام التي يبعثها النص، فسارة تقطف الشث، وسالم هلال ينظر إلى كف أمه التي تمد وساده. وفي تعليقات الفيس بوك تجئ عبارات المجاملة، من مثل التصبيحات، لكنها تأتي أحيانا معجونة مع النص، متخلقة فيه، ليست مجرد مجاملة، هي مجاملة يشكلها النص، لو تأملنا هذه التصبيحة التي أنشأها فهد ردة الحارثي، وشكل فيها توحده مع الفجر ولونه ونشوته، لوجدناها تستدعي في الردود والتعليقات عليها تشكيلات خلاقة تحوم في فضاء النص الأصل، يقول فهد ردة: (الفجر يلبس ثياب البياض أمامي، يزهر وهو ينظر لي، يبتسم برقة - لماذا لم تنم؟- كنت في انتظارك؟ هل مازلت تخاف أن تسرقني منك؟ توحدت معك، أصبحت أترقبها فيك، لتسرقك كيفما شاءت، فخراجكما لي)، ومن ضمن التعليقات يأتي تعليق علا حجازي التي تقول: (كان الفجر يهذي... بياضا في سر... قال: النائمون تعبوا مني، لي نهار وحلم وضحكة لا يغترفها إلا الساعون العاملون المنتظرون الدؤوبون الداعون الصامتون السامعون........ فكسيتهم قلوبا مطّهرة مسكنها الحب سلام على روحك الطيبة يا ابن رده الحارثي صباحك وردة بيضاء) فالصباح الموجه تحية لاسم الكاتب، كان متوجا بفضاء نص الحارثي الأصلي، فهو يتلون ببياضه، ويرتع في حبه، ومن هنا كانت طيبة القلب في كلمة التعليق من صفاء الفجر، وشفافيته.