يعود التائب إلى الله وقلبه نادم على ما فات، وعازم على أن لا يعود، وراجياً سماح من ظلمهم ومعيداً لحقهم، حيث تعد نقطة التحول في حياته هي لحظة توبته؛ فيغتسل عن خطاياه، ويخرج بشكل جديد لمجتمعه ووطنه، ويقبله المجتمع ويبدأ يثق به.. وصورة التوبة طبيعية في حياة الإنسان حينما يأخذ الالتزام طريقاً، والفكر الصحيح منهجاً، والوعي بأدبيات القيم، ومظاهر الواقع، ورؤية المستقبل، إلاّ أن هناك من يتوب -وهو توفيق من الله أولاً- ويتحول من الالتزام إلى التدين، وفي مدة قصيرة يصبح داعياً وربما مفتياً! فيتحدث عن الحلال والحرام، ويكثر من المحاضرات، والدروس، ولقاءات الشباب، والمخيمات، والحضور إلى المدارس، ويحرص بسرعة على تصعيد اسمه بين الجماهير، ويحجز مكاناً بينهم. إن ما نُشاهده من توبة بعض الأشخاص وعودتهم إلى دينهم، لهو أمرٌ مُفرح، إلاّ أنه لا بد من التمكّن في العلم، وكذلك مخالطة الأخيار والإفادة منهم ثم شق الطريق إلى الدعوة، كما أنه من المُهم أن لا يتعجَّل البعض في التحول إلى داعية، لأنه مسؤول أمام الله في ذلك، إلى جانب أن من أهم الشروط التي ينبغي أن يتصف بها من يدعوا إلى الله أن يكون عدلاً ومؤتمناً وتقيا، لا يتكلم إلاّ فيما يعرفه، ولا ننسى أن هناك الكثير من الجهات التي تُعد كفيلة بتخريج الدعاة بشكل علمي، فكليات الشريعة والدعوة تخرّج طلاب أكفاء قادرين على الدعوة، كما أن هناك جامعات شرعية ومساجد تفعل ذلك الأمر جيداً، ولا مانع من الإفادة منها. صاحب علم وقال «د. عبدالعزيز بن عمر القنصل» -أستاذ العقيدة في جامعة الملك خالد-: إن مثل هؤلاء يضرون بالدعوة أكثر من وضعهم حينما كانوا بعيدين عن الالتزام وشرائع الإسلام من صلاة وصيام، فمثل هؤلاء لا يُحسبون على الإسلام وإنما يحسبون على أنهم عصاة، فليسوا في تيار الدعوة وأفعالهم لا تحسب على الدين، وحينما يتحولون إلى الالتزام ويتأثرون بذلك ثم يعودون لله فذلك أمر جميل، لكن العودة إلى الله سبحانه لا يجب أن تدفعه إلى اعتقاد أنه يستطيع أن يفتي ويعلم ويخرج للناس بتعاليم الإسلام، وكأن ذلك مباحاً لأي شخص، مضيفاً أن جميع التخصصات مسيجة بالسياج الأمني الحصين، فلا يتكلم في الهندسة أو في الطب إلاّ إذا كان من أهل الاختصاص، مشيراً إلى أن هناك من يعتقد أن الدعوة في الدين تتعلق ببعض الصفات الشكلية، فكلما امتلك ذلك المظهر كان مؤهلاً إلى أن يدعوا إلى الدين، لذلك نجد أنهم ينشرون «البدع» والأحاديث الموضوعة والمكذوبة. وأضاف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من كذّب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، فهناك من يتحدث في المساجد ويعظ الناس بأحاديث لم ينزل الله بها من سلطان ثم يقولوا أنهم سمعوها أو أخذوها من شبكات التواصل الاجتماعي! أو أنهم أخذوها من بعض الوُعّاظ! مُشدداً على أهمية التوجه إلى التوعية التي تؤكد أن الداعية لا يجب أن يكون فقط ملتزماً، بل لا بد أن يكون صاحب علم، فإذا لم يكن كذلك يجب عليه أن يتقي الله ويجب أن لا يتصدر للدعوة وهو غير مؤهل لها. دورات علمية وأوضح أنه على وزارة الشؤون الإسلامية أن تأخذ على أيديهم وتوقفهم وتمنعهم، أو تأخذهم إلى دورات علمية تؤهلهم، لأن يكونوا دعاة وفي موضوع معين، مضيفاً أن من كان متخصصاً في مسألة من المسائل فعليه أن يدعوا الناس إليها، متأسفاً أن بعض الشباب حينما يكون متثقفا قليلاً بالدين لا يكتفي فقط بالإرشاد، بل يتوجه إلى الفتوى أيضاً، ومثل هؤلاء قد يضرون الفرد والمجتمع، ويضرون بالدين من حيث أنهم يحسبون أنهم يُصلحون، مبيناً أنه من غير المتوقع أن يكون للمجتمع دور إيجابي حيال هؤلاء؛ لأن المجتمع بطبيعته متدين، فهو إيجابي تجاهههم، لكن المسؤولية ملقاة على الدعاة أنفسهم أن يوجهوا مثل هؤلاء ويناصحوهم ويرشدوهم. وزارة الشؤون الإسلامية لا تزال تتفرج على دعاة «ضررهم أكثر من نفعهم»..! وأشار إلى مشهد في إحدى المساجد حينما تحدث أحد الشباب بشكل حماسي بأحاديث غير صحيحة، ومن الصعب أن يقف الداعية ليقول لمثل هذا أمام الناس أنت مخطئ؛ لأنه قد تكون هناك ردة فعل غير لائقة، وربما أعتقد أن من يناصحه يرغب في الانتصار لذاته، مشدداً على أهمية أن يكون هناك تكثيف للمحاضرات والدورات في توعية مثل هؤلاء، ويجب على وزارة الشؤون الإسلامية أن تتحمل المسؤولية كاملة -حسب قوله-، بحيث أنها لا تسمح لأحد أن يتكلم إلاّ بعد إجراء الاختبار له في تخصص معين، فتسمح له بالحديث عن ذلك التخصص دون التطرق لأمور أخرى. إلقاء بعض الكلمات في المساجد يحتاج إلى علم وعمل لا تتعجّل وأكد «د. عبدالرحيم الهاشم» -أستاذ الفقه بكلية الشريعة بالأحساء- على أن ذلك لا يُعد صحياًّ إذا لم يكن من طلبة العلم، مضيفاً أنه يوجد قاعدة في باب البخاري «العلم قبل العمل والدعوة إليه»، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- رأى رجلاً يعظ في المسجد فقال له: «هل تعرف ناسخ القرآن ومنسوخه؟ فقال لا، فقال له: اجلس»، لافتاً إلى أن مثل هؤلاء ضررهم أكبر من ضرر غيرهم، ذاكراً أنه من المُهم أن يتوب ويطلب العلم ويتمكن من علمه ويخالط الأخيار ويستفيد منهم ثم يشق طريق إلى الدعوة، مؤكداً أنه لا يجوز أن يتعجَّل البعض في التحول إلى داعية، سواء كان مذنباً أو منغمساً في الخطايا ثم تاب، لأنه مسؤول أمام الله في ذلك، موضحاً أن من أهم الشروط التي ينبغي أن يتصف بها من يدعو إلى الله أن يكون عدلاً ومؤتمناً وتقيا، لا يتكلم إلاّ فيما يعرفه. وأضاف أن هناك الكثير من الجهات التي تُعد كفيلة بتخريج الدعاة بشكل علمي، فكليات الشريعة والدعوة تخرج طلاب أكفاء قادرين على الدعوة، كما أن هناك جامعات شرعية ومساجد تفعل ذلك، مبيناً أن الإشكالية في وجود أشخاص غير مؤهلين كالمتخصص في التاريخ ويتحدث في الأمور الشرعية بناء على خلفيات ماضية، أو أمور وراثية وذلك لا يجوز، مؤكدا أن الظهور يقصم الظهور، ولا بد أن لا يتعجل التائب، وأن يأخذ من العلم، فالنصيحة مهمة، لكن لا بد من طلب العلم والأدب والأخلاق، مع التزود منها جميعاً، ثم يبادر بالدعوة على علم، فالدعوة تختلف عن النصيحة ويجب التفريق بين الحالتين. يا كثرهم في المساجد والمدارس وعند تجمعات الشباب في المخيمات وأماكن الترفيه تشجيع التائب وأوضح «د. أحمد المعبي» -عضو المحكمين بالمملكة- أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والإسلام يشجّع التائب إلى العودة إلى الله، مضيفاً أننا نقبل أن ينصح وأن يحس بحلاوة الإيمان من خلال الذكر والحديث عن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، من منطلق التشجيع، فالإيمان له حلاوة وتحبيب الحديث عن الإسلام من حلاوة الإيمان، مبيناً أن من يدخل في التوبة يتمنى أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لذلك فإن مثل هؤلاء التائبين لا بد من تشجيعهم لإصلاح ذنوبهم، مع الاطلاع على محاسن الشريعة، ولا مانع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن على أن لا يجعل من نفسه داعية، مؤكداً أن هناك شروطا وضوابط لا بد أن يتصف بها الداعية حتى يستطيع أن يصل إلى هذه المكانة، ولا بد أن يكون متبحرا في العلوم الدينية، وأن يكون حافظا لكتاب الله سبحانه، وأن يكون مطّلعل على السنة النبوية وما فيها من أحاديث وأنواعها، فهي متشعبة ولا يدركها إلاّ المُطّلعون والدارسون، مشيراً إلى أن المجتمع ليس ضد الدعوة، فالإسلام يأمر بتبليغ العلم، لكن لا بد أن تكون تلك الدعوة على علم، فإذا تعلم التائب وتعلم في إحدى الجامعات العلوم الشرعية وحفظ القرآن، فالإسلام يجب ما قبله، ولا مانع أن يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ودعا إلى ضرورة تهذيب النفس والتبحر في العلم والدين ثم تقديم النصيحة البسيطة للمذنب، حتى يصل إلى ترسيخ العلم لديه، خاصةً مع وجود هيئات متخصصة للإفتاء والعلوم الشرعية. حضور بعض الندوات الدينية مُفيد للتائب في التزود بالعلم د. عبدالرحيم الهاشم د. أحمد المعبي