النقاش يطول حول مقاييس الذكاء المعتمدة، وتكثر النظريات حول الذكاء كمفهوم، فهناك من يرى أنه لا يوجد تعريف شامل للذكاء، وأن الذكاء يصعب تقييمه لأسباب كثيرة منها تحديد المرجع العقلي الذي يقارن فيه ومنها أن الاختلافات البشرية كثيرة والقدرات تختلف من شخص لآخر. لو تركنا الذكاء جانباً وتحدثنا عن مدارك الإنسان وقدراته، قد نقول إن الذكاء نتيجة أو هو محصلة مكتسبات كثيرة، وقد نتفق مع من يقولون إن نسبة لا يستهان بها من الذكاء مكتسبة. لننظر للطفل الصغير الذي لم يتجاوز العام الواحد في محاولته لتعلم اللغة كمثال، فهو يبدأ بتحريك فمه وتحريك لسانه، ثم يصدر أصواتاً لا معنى لها، يبدأ بالتعرف على اسمه من خلال تكرار مناداته ليتلفت نحوك حين تناديه يبدأ بالتعرف على والديه وعلى كلمة بابا وماما، يبدأ بترديد أحرف متقطعة مثل:"بااا، دااا، ماااا"، ثم يبدأ بتكرار هذه الأحرف لتصبح حرفين وثلاثة "بابا أو ماما أو دادا"، ثم يبدأ بتجميع الأحرف لتعلم الكلمات من خلال تواصله مع من حوله، هنا تتكون اللغة، وتنتج حصيلته اللغوية ومفرداته التي يتعلمها ويستخدمها. وتزيد هذه الحصيلة مع تقدمه في العمر قد يتعلم لغة أخرى أو أكثر من لغة قد يكثر من قراءة الكتب فيصبح الكتاب بالنسبة له مصدراً لغوياً ومعرفياً لتتوسع مداركه. يصاحب تطور الطفل اللغوي تواصل مع الآخرين، فبعد أن كانت الجمل التي يسمعها مجرد أصوات يلتفت لها بدون أن تحمل أي معنى، كبر قليلاً وأصبح يميز هذه الأصوات، ثم كبر وأصبحت للكلمات معنى مثل "حار، بارد، حليب" ثم أصبح يربط الكلمات بصور وأشكال يراها، فيعرف شكل التفاحة أو كوب الحليب أو كأس الماء حين تسميها أمامه، ثم كبر قليلا وأصبح يفهم الجملة المكونة من عدة كلمات ليتواصل بعدها بالحوار والرد والحديث والتعبير عن نفسه. إذن هل يمكننا أن نستنتج بأن التطور اللغوي لدى الطفل جزء منه مكتسب وله علاقة ببيئته ومدى ثرائها اللغوي ومدى تواصله مع من حوله، أم إن استنتاجنا خاطئ في هذه الحالة؟ وإذا كان استنتاجنا صحيحاً ما الذي يمكن أن نفعله لإثراء المحصلة اللغوية لدى الطفل؟