أصبح المواطن الخليجي والسعودي تحديداً يلمس وجود تكتلات عرقية في اقتصاد الخدمات من حوله.فأصبحت بعض المهن محتكرة في جنسية معينة ليس بسبب الكفاءة والمؤهلات وإنما بسبب التكتلات العرقية.فتجارة إطارات السيارات ومحطات البنزين والعباءات النسائية أصبحت حكراً على جنسية واحدة فما الذي يجمعها مع بعض؟ ليس لديّ أي مؤشرات في الكفاءة الاقتصادية لذلك التكتل ولكنه مؤشر ضمن مؤشرات أخرى حول خطورة مثل هذا التكتل الاقتصادي العرقي. ولعل تغلغل هذا التكتل وغيره في موضوع إغراق السوق بشرائح الهاتف غير المسجلة وفق قرار الشحن المبني على رقم الهوية دليل على جرأة هذه التكتلات العرقية على التلاعب بالأنظمة وربما يقود إلى نوع من الجريمة المنظمة.وربما أيضا في الحد الأدنى إلحاق الأذى بالمستهلك عن طريق الاحتكار والتلاعب بالأسعار. هذا المشهد للتكتلات العرقية لم يستفحل بعد ليبرز الوجه القبيح للجريمة المنظمة ولكن سيكون نتيجة طبيعية لحماية المصالح وربما تكون شبكات عصابات حماية عرقية لمصالح الجاليات.ولعل الباحث الانجليزي فيليب لاقرين في كتابه "المهاجرون الذين تحتاجهم بلدك"ذكر تميز النموذج السعودي الذي يحتاج إلى أعداد كبيرة من العمالة غير الماهرة فاعتمد نموذج الهجرة المؤقتة بينما النموذج الكندي والذي يحتاج العمالة الماهرة وضع شروطاً قاسية للهجرة الانتقائية. وبالتالي فإن فرص جلب العمالة غير الماهرة للجريمة معها أكبر بكثير من العمالة المتعلمة والماهرة وهذا ما تؤكده مؤشرات ارتباط جرائم الوافدين بتدني مستواهم التعليمي. ولكن في العموم عند أي حراك بشري بحثاً عن عمل أو موطن بديل أو غيره تتشكل من هذه الهجرة كيانات اقتصادية وربما إجرامية كما حدث في الولاياتالمتحدة من تكتلات العصابات الآسيوية والإيطالية والصقلية واللاتينية والسود. وبعض من تلك العصابات أصبح مرتبطا بالتكتلات العرقية في اقتصاد الخدمات وأصبحت تحيطها بالجريمة وتقبض "إتاوة" الحماية.وربما بدأت تظهر عندنا بعض مؤشرات تلك التكتلات الإجرامية والمتمثلة في الجرائم الأخلاقية المرتبطة بجنسيات معينة في سيارات الأجرة وكذلك تكتلات السطو المسلح على سائقي تلك السيارات. وكذلك تكتلات سرقة الحديد وتفكيك السيارات وكبس الحديد وبيع الخردة مما يفسح المجال لتضييع ملامح جرائم أكبر. ولو نظرنا إلى جغرافيا الجريمة في المملكة لوجدنا ان منطقة مكةالمكرمة تحتل الصدارة بسبب الأعداد الكبيرة من الجنسيات غير النظامية ولعل جريمة الفتاة المغربية التي اعتدى عليها وافد عربي غير نظامي يعمل في فندق نموذج لتك الجرائم. وتليها منطقة الرياض الشاسعة والتي بدأت تموت في مفاصلها العلاقات الأولية بحيث الجار لا يسأل عن ما يدور خارج محيط بيته.إننا أمام مأزق أخلاقي كبير ينقسم بين الحاجة إلى تلك الأيدي العاملة ووجود نماذج مشرفة بينها ونماذج أتت لكسب العيش وبين نمو معدلات الجريمة العرقية. فالدارس لنزلاء السجون ومرتكبي الجريمة حسب توزيعهم العرقي يكتشف ببساطة شديدة لا تحتاج إلى تحليل علمي معمق مدى ارتباط جرائم معينة بجالية معينة.وبالتالي فإن العلاج سهل وصعب في ذات الوقت. فهو سهل عبر التنظيم الدقيق للجالية وصعب لأنه يزيد من التكتل المنظم لتلك الجموع. فالكل يعلم ان سفارات كثيرة تعمل في المملكة لديها تنظيمات داخلية للجالية مع وجود رؤساء لفروع تلك الجالية ولكن ما مدى انعكاس هذا التنظيم على معدلات نمو الجريمة أو الكشف المبكر عنها. فهي في الأصل تنظيمات تخدم الجالية فقط فلماذا يسمح بوجودها؟أو ما المانع من الاستفادة منها أو تحميلها جزءاً من وزر عدم التبليغ عن النماذج الشاذة في الجالية. وهذا التوجه بدأت تأخذ به وبغيره من متوجهات ضبط الجريمة الكثير من الدول التي استقبلت المئات من اللاجئين كالسويد والنرويج والتسلل غير المشروع كفرنسا وايطاليا. فالقاعدة الاقتصادية المتوازنة تؤكد على ان تحقيق الفائدة القصوى تتمثل في تحقيق مصالح الطرفين المستفيدين. وعندما تختل تلك القاعدة فما المانع من تقليص مهام تلك اللجان وتقنين فترة بقاء العمالة غير المدربة وضبط نشوء تكتلات اقتصادية عرقية جديدة وكبح جماح توسع القائم منها.انها شرارة والنار دوماً من مستصغر الشرر.