تشهد الطرق والشوارع في كافة المدن، وأثناء أوقات الذروة اختناقات مرورية مزعجة، خاصةً عند ذهاب وخروج الطلاب من وإلى المدارس، وكذلك عند توجه الموظفين إلى أماكن أعمالهم، إضافةً إلى المناسبات العامة والمباريات وما شابه ذلك، ويؤكد الواقع على أن هناك خططا مرورية لها إيجابيات واضحة في معالجة مثل هذه الإشكالات، إلاّ أن هناك قناعة لدى معظم الناس أن الخطة المرورية في مواجهة مثل هذه المواقف ليست بالقدر الكافي من الجودة التي تضمن تحقيق الانسيابية العادية لمثل هذه الحالات اليومية، وبالتالي ينبغي أن يعمل المختصون على تشخيص أسباب حدوث هذه المشكلة المرورية اليومية المزمنة، مع إعادة قراءة الصورة كاملة من جديد. ومن المؤكد أن الأطراف الأربعة (التخطيط، عدم كفاءة المرور، ثقافة المجتمع، عدم توفر نقل عام) تشترك بشكل مباشر في حدوث هذه المشكلة، مما يُحتم تفعيل قرار «هيئة النقل»؛ لتتولى التخطيط للنقل العام داخل المدن، حيث لا توجد جهة مسؤولة عنه، مع إعادة تخطيط الطرق والشوارع والتقاطعات هندسياً لتتناسب مع حركة المرور، إلى جانب وضع «كباري» أو أنفاق في التقاطعات المختنقة. ويبقى من المُهم أن يكون لدى جهاز المرور قطاع مختص بالهندسة المرورية يعالج مثل هذه الحالات، ويشترك مع الجهات الأخرى عند الشروع في تخطيط المدن وفتح الطرق والمسارات، كما أنه لا بد من تغيير «ثقافة المجتمع»، من خلال إدراك الأسرة لأهمية النقل الجماعي المدرسي، وهو ما يساعد على الحد من تلك السيارات التي تضغط على الحركة في الشوارع، ولا ننسى أن للمدارس دورا كبيرا في التوعية، من خلال تعزيز الفكرة والحث على ذلك، حتى لا يتكرر ذلك التكدس المروري اليومي. عجلة اقتصادية وقال «م. عبدالعزيز السحيباني»: إن دوران العجلة الاقتصادية أدى إلى استقدام الملايين من الأيدي العاملة، مع نشوء آلاف الشركات والمؤسسات التي لم تكن متوقعة قبل الطفرة، وهذه نشأ عنها وجود الملايين من المركبات والسيارات والشاحنات التي وصل عددها الآن إلى أكثر من ثمانية ملايين سيارة تغص بها المدن والطرق التي لم تكن مهيأة لهذا العدد الهائل، موضحاً أن المدن نمت وتطورت في غياب تام لتخطيط النقل، حيث تم تخطيط الطرق وتنفيذها لتكون شوارع تجارية بغض النظر عن وسائل النقل، ومن ذلك أن حجم الاستيعاب المروري للطرق يفوق بكثير ما تم تنفيذه عليها، مما جعلها تغص بالسيارات والمركبات والشاحنات، وقد تصل السرعة في بعض الشوارع إلى ما يقارب الصفر أو توقف تام للحركة. وأضاف أنه لا يوجد أي بديل آخر للسيارة حتى ولو كان الهدف الوصول إلى مسجد بجوار المنزل، فلا يمكن تجاوز الطريق مشياً إلاّ بمخاطرة كبيرة، ولا يمكن حتى استخدام الدرّاجة للوصول إلى هدف قريب جداًّ، لافتاً إلى أن كل المساحات هي للسيارات، ولا وسائل للنقل بديلة، مؤكداً على أن وصولنا إلى تنفيذ «مترو» أو محطات للقطارات يبدو حلماً، على الرغم من وجوده في أكثر دول العالم تخلفاً, بل حتى الحافلات تبدو مستحيلة إذا شاهدنا عددا محدودا من السيارات الصغيرة المهترئة تتنقل من شمال الرياض إلى جنوبها وهي تعود إلى موديلات قديمة جداًّ. لا يوجد مواقف وذكر «م. السحيباني» أنه يتم تخطيط المدن بأحيائها السكنية ومرافقها الحكومية والتجارية ومصانعها بعشوائية لا تضع لوسيلة النقل اعتباراً، ولا للزحام المروري الناتج عنه شيئاً، أو ما يسمى بلغة مهندسي التخطيط ب «استعمالات الأراضي»، فقد يوجد عدد من الوزارات أو الدوائر الحكومية على شارع واحد، وبالطبع فإن كل الموظفين سيتحركون في هذا الشارع في وقت واحد، مما يسبب زحاماً هائلاً، مشيراً إلى أن آخر ما يتم التفكير فيه عند بناء أي منشأة هي المواقف، فقد توجد مدرسة ملاصقة لمسار السيارات مباشرة دون أي مساحة أمامية، وقد توجد دائرة حكومية لا يفصلها عن الشارع إلاّ مترين، إذ لا يمكن وقوف إلاّ عدد محدود من السيارات، والسبب في ذلك هو أن هذه المنشاة غير ملزمة بتوفير مواقف، أو أنها بالكاد استطاعت الحصول على موقع لبناء مقر لها، مما يجعل الشارع المكان المناسب، وبالتالي اختناق حركة المرور. سلوك خاطىء وأكد «م. السحيباني» أن تخطيط الشوارع مرورياً لا يتواكب مع حركة المرور، فعند تنفيذ طريق جديد بمسار واحد أو مسارين لا يوجد اعتبار لحجم حركة المرور عليه, وقد يبدو ذلك مقبولاً في دول شحيحة الموارد، لكنه مرفوض في ظل الإنفاق الضخم على مشروعات الطرق، مضيفاً أن هناك أسبابا تعود إلى تنظيم حركة المرور حيث نرى في شوارعنا سلوكاً مرورياً خاطئاً، فالوقوف في أماكن غير مناسبة مشاهد في كل طريق، على الرغم من إمكانية الوقوف قريباً, مبيناً أننا نشاهد تراكم السيارات أمام المطاعم حتى تكاد أن تغلقها دون تحرك المرور، ولو تم منع هذا السلوك الخاطئ لا اختفت كثير من الاختناقات، متسائلاً: لماذا عندما يذهب المواطن إلى دولة أخرى فإنه يحترم قوانين المرور، وعندما يعود فإنه يستهتر بالأنظمة وبالآخرين، والسبب يعود إلى أن الثقافة المرورية مشتركة بين المجتمع والشارع والنظام، مشدداً على أهمية تكامل بيئة الطريق ووجود خطوط للسيارات وللمشاة، مع وجود لوحات إرشادية، وأول واحد يحترمها هو رجل المرور، ناصحاً بنشر الثقافة المرورية في المدارس. حلول ومقترحات وذكر «م. السحيباني» أن هناك حلولا فاعلة من الممكن أن تساهم في حل التكدس المروري ومن ذلك وجود الهيئة العامة للنقل، وقد يكون في ذلك بداية لإيجاد بدائل للنقل العام، مقترحاً إنشاء «وكالة للنقل» في وزارة الشؤون البلدية والقروية، تتولى التخطيط للنقل العام داخل المدن، إذ لا توجد جهة مسؤولة عنه، وكذلك إعادة تخطيط الطرق والشوارع والتقاطعات هندسياً لتتناسب مع حركة المرور، مع وضع «كباري» أو أنفاق في التقاطعات المختنقة، مؤكداً أن قضية الاختناقات المرورية شأن وطني يؤثر على اقتصاد البلاد، مشيراً إلى أن الإنفاق على شبكات الطرق والكباري والمواقف ووسائل النقل العام لن يذهب هدراً، بل يعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد الوطني للبلاد وسيعود بعائد أكبر مما أنفق. نحتاج إلى إعادة تخطيط الطرق والتقاطعات هندسياً لتتناسب مع تزايد حركة المرور هندسة مرورية وقال «م. منصور العرفج» -نائب المدير العام للتشغيل والصيانة بمديرية مياه القصيم وعضو المجلس البلدي ببريدة-: إن هذا التكدس المروري جاء نتيجة وجود مشاكل في تخطيط وتنظيم الطرق والشوارع، أدت لعدم القدرة على استيعاب الحركة المرورية المتزايدة وانسيابيتها، مما أدى إلى هذه الاختناقات المرورية في شوارعنا, مرجعاً ذلك إلى النهضة الكبيرة التي تعيشها المملكة خلال مدة زمنية قصيرة، عزز ذلك عدم وجود متخصصين في هندسة الحركة المرورية ومقوماتها، مطالباً أن يكون لدى جهاز المرور قطاع مختص بالهندسة المرورية يعالج مثل هذه الحالات، ويشترك مع جهات التخطيط في القطاعات البلدية والطرق عند الشروع في تخطيط المدن وفتح الطرق والمسارات، مشيراً إلى أن هذا شيء لا بد أن يكون لجهاز المرور دور مباشر فيه، حيث يُعد الجهاز المعني بشكل مباشر، وبكل ما يحدث في بيئة الحركة المرورية وهي الشوارع والطرقات. وأضاف أن غياب وسائل النقل الجماعية المتطورة من خلال شركات نقل عام مدعومة من الدولة، جعل كل شخص يلجأ إلى امتلاك سيارة خاصة، حتى العمالة الحرفية في قطاع البناء والصيانة والخدمات لديها سيارات خاصة متهالكة، بمعنى أنها رخيصة، وهو ما أدى إلى ضغط الحركة المرورية في طرقنا وشوارعنا بشكل ملفت. ثقافة مجتمع وأوضح «م. العرفج» أن تكدس مباني بعض المصالح الحكومية في حيز واحد أو في اتجاه واحد أدى إلى ضغط الحركة المرورية في تلك الطرق، وكذلك الشوارع السالكة إلى تلك الأحياء التي تتواجد فيها تلك القطاعات الحكومية والخدمية، إلى جانب أن هذا التكدس لتلك القطاعات الحكومية في نطاق واحد يؤدي أيضاً إلى عدم توفر مواقف للسيارات بشكل يوفر الراحة للمراجعين، مما يحدث معه ارتكاب الكثير من المخالفات في الوقوف، وإحداث الإعاقة المرورية، مشيراً إلى أن ثقافة المجتمع لها دور مباشر في هذه المشكلة من خلال تحريك عدد كبير من السيارات في الصباح وعند الظهيرة لنقل الأبناء إلى مدارسهم، فلو أن الأسرة آمنت بفكرة النقل الجماعي المدرسي لأمكن الحد من تلك السيارات التي تضغط على الحركة المرورية، ناصحاً بتغيير ثقافة المجتمع إلى وسائل النقل الجماعية على أن تكون مغرية لاستخدامها من حيث النوع والانضباطية، مشدداً على أهمية تعزيز المدارس هذه الفكرة من خلال الحث على استخدامها، حتى لا يحدث ذلك التكدس المروري اليومي أمام المدارس، وحتى تستغني بعض الأسر عن مهام السائق الخاص الذي تم استقدامه لهذه الغاية. م. منصور العرفج