في ظل الطفرة الحالية التي تعيشها المملكة، تبدو المدن الرئيسية في البلاد أشبه بورش عمل كبيرة، تعمل على تحديث البنية التحتية للخدمات الأساسية التي شهدت ركوداً طيلة عقود مضت، وبالرغم من الحاجة إلى تطوير البنية التحتية لتلك الخدمات، إلا أن سوء تخطيط المدن وغياب التنظيم جعلا من عمليات التحديث تلك تفرز جحيماً مرورياً كما وصفه أمين مدينة الرياض السابق في أحد تصريحاته. هذا الجحيم المروري الذي تعيشه العاصمة الرياض منذ العام 2007م جعل المشهد المروري معقداً، وجعل الاختناقات المرورية في أغلب أحياء وطرق العاصمة، مما حدا بنسبة كبيرة من سالكي الطرق إلى استخدام الطرق الداخلية للحواري للالتفاف على الازدحام في محاولة للسيطرة على عامل الزمن الذي قد يفصلهم عن أعمالهم ومشاغلهم. وتكمن خطورة ذلك في أن تلك الطرق الفرعية لم تصمم لتسلكها سيارات وشاحنات وحافلات بكثافة كبيرة، كما أن تلك الطرق تشهد تقاطعات كثيرة داخل الأحياء، وحركة سيارات متقاطعة الأهداف، وكذا بعض المشاة خاصة في الصباح الباكر أو بُعيد الظهر. وتشكل كثافة حركة السيارات والحافلات والناقلات داخل الأحياء في رحلة هروبها من الاختناقات المرورية هاجساً لدى سكان تلك الأحياء، خاصة في ظل السرعة العالية لتلك السيارات في التقاطعات داخل الأحياء السكنية. ترى إلى أي حد يشكل ذلك خطراً حقيقياً على ساكني تلك الأحياء؟ وكيف يمكن السيطرة على تدفق تلك السيارات وضبط حركتها في المربعات السكنية؟ وما تأثير هذا الزيادة في الحركة على الطرق الفرعية من حيث عمرها الافتراضي؟ د. عبدالإله بن محمد المعيوف أستاذ التخطيط العمراني المشارك بجامعة الملك سعود يقول ان كثافة حركة المرور وازدحام الطرق بالمركبات في أوقات الذروة المرورية أصبحا من المشكلات الشائعة في المدن حول العالم، ويؤكد أن الازدحام المروري يعتبر سمة واضحة لكبريات المدن والتجمعات العمرانية الكبرى التي يقطنها غالباً أكثر من مليون نسمة. وِأشار إلى أن هناك أسباباً عديدة تقف وراء ذلك، أبرزها تنامي عدد سكان المدن بصورة متسارعة، وتنفيذ مشروعات تنمية عمرانية كبرى تمثل عائقاً لانسياب حركة المرور، وتزايد معدل تملك المركبات بوتيرة متصاعدة وعدم وجود سياسة واضحة لتنظيم ذلك، وأكد أن تباعد مناطق السكن عن أماكن العمل يعتبر عاملاً مؤثراً في طول رحلة العمل التي تقطعها المركبة وبالتالي المساهمة بصورة سلبية في ازدحام الطرق بالمركبات وحدوث الاختناقات المرورية في ظل غياب بدائل ملائمة للتنقل من وسائل النقل العام. وِأشار إلى أنه غالباً تزداد الاختناقات المرورية عدداً كلما زاد حجم واتساع المدينة عمرانياً مؤكداً أن بعضها يحدث في نقاط معينة حين تلتقي كثافات الحركة المرورية وبخاصة عندما يضيق الطريق أو تقل مساراته مما يدفع العديد من قائدي المركبات إلى محاولة اللجوء إلى طرق ومسالك بديلة، وأكد أن المشكلة تبرز إذا اختار قائدي المركبات مسالك وشوارع محلية للهروب من الازدحام والاختناقات، مشيراً إلى أنه قد يتفاقم الوضع إذا استخدمت تلك الشوارع من قبل الشاحنات ومركبات النقل الكبيرة، كون تلك الشوارع المحلية غير مصممة لنقل كثافات عالية من الحركة المرورية، كما أن طريقة رصفها وسماكتها تختلف عن الشوارع والطرق السريعة. وقال ان لذلك آثاراً وتبعات سلبية عديدة على السكان المجاورين والمحيطين بتلك الشوارع تتعلق بالسلامة وسهولة وحرية الانتقال، وازدياد معدلات الضوضاء والتلوث الهوائي، والتأثير السلبي المتوقع على جودة رصف تلك الشوارع مع مرور الوقت، إضافةً إلى مشكلات أخرى. وأضاف: ولأن شوارعنا المحلية جزء من أحيائنا السكنية -الشبكية من حيث تصميمها - والتي يمكن أن تصل بين طرفي الحي الواحد بدون عائق فإنها ستظل خياراً مفضلاً للكثير من السائقين في ظل الاختناقات لمرورية وازدياد أعداد المركبات وسهولة تملكها وعدم توفر وسائل للنقل العام في الوقت الحاضر.