أكثر من مئة وخمسين قتيلا معظمهم من المدنيين، وتدمير نحو ألف منصة لاطلاق الصواريخ، ومئة واربعين نفق تهريب، وعشرات المؤسسات المدنية والرسمية، كل ذلك خلال ثمانية ايام فقط من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. بعدها خرج سكان القطاع للاحتفال بعد أن أعلن لهم إسماعيل هنية انتصار المقاومة على اسرائيل. في المقابل لم تخرج احتفالات في الشوارع الاسرائيلية ولم يكن هناك خطب حماسية تتحدث عن بطولات الجيش الإسرائيلي ولم يخصص نتنياهو يوما للاحتفال بهذا النصر كما فعل هنية بل بدأت الاستعدادات للمعركة المقبلة. كعربي.. تدغدغني كلمات مثل المقاومة والنصر والشهادة، وكمحايد أجد بأن الحقيقة المرة تقول بأن الانتصار يقوم على الأرقام وليس الشعارات. كيف انتصرنا وهناك مئة وخمسون قتيلا في غزة مقابل ستة اسرائيليين فقط؟ كيف ذلك وقد تدمرت غزة مرة بعد مرة فيما الخسائر الاسرائيلية توصف بالمحدودة على اكثر تقدير؟ واذا كانت الهدنة انتصارا فماذا يسمى تعهد حماس بحماية المستوطنات الاسرائيلية من صواريخ المقاومة؟ لقد مللنا الخداع، ومقولات (حيفا وما بعد بعد حيفا) لم تعد تنطلي علينا، ومن احتفل بتحرير الجنوب اللبناني بالقوة في العام ألفين لماذا توقف عند كيلومترات محدودة في مزارع شبعا؟ ومن طرد اسرائيل من غزة لماذا لم يزحف لتحرير القدس؟ ولماذا ظل الجولان المحتل هادئا لعقود؟ واذا كانت ايران تتغنى بدعم المقاومة فلماذا لم تبادر إلى تحريك فيلق القدس المرابط في دمشق او اعوانها في جنوب لبنان للدفاع عن القطاع، أو ان تستخدم قطعها الحربية وصواريخها التي تهدد بها أمن الخليج لتدخل في حرب مباشرة مع اسرائيل بدل أن يسقط أطفال غزة ضحية حروبها بالوكالة؟ فلقد مللنا من استخدام قضايانا لتحقيق اجندات سياسية تتجاوز حدودنا العربية. يوما بعد يوم يدرك المواطن الفلسطيني انه الضحية وأنه وابناءه من يدفعون الثمن فيما يرفع غيرهم الشعارات، حتى حماس تدرك ذلك لكنها ليست وحدها في غزة ومهما حاولت فلن تستطيع ان تمنع إطلاق الصواريخ لاستفزاز العدو الاسرائيلي كلما ضاق الخناق على طهران وحلفائها. اسرائيل هي الأخرى بعنجهيتها لابد أن تدرك بأن السكوت الدولي والفيتو الأميركي لن يمنحها الأمان وأن فرص السلام العادل والشامل باتت محدودة. أخيراً.. حتى يستطيع المقاوم العربي تحرير ارضه بالقوة فلابد أن يدرك بأن تحركا دبلوماسيا مثل توجه الرئيس الفلسطيني إلى الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد تعثر مفاوضات السلام هو ما يرعب اسرائيل لانها لن تستطيع معه استخدام قوتها العسكرية ولا حتى قبتها الحديدية.