يصطدم أصحاب منازل شُيّدت قبل (15) أو (20) عاماً حينما ينوون ترميم منازلهم بأسعار فلكية لمواد البناء وارتفاع أسعار الأيدي العاملة بشكل مبالغ فيه، حتى صار مجموع التكاليف يعادل -وربما يقل- عن تكلفة قيمة بناء منزل جديد؛ نظراً لعقبات لا تنتهي تظهر أثناء الترميم في المنزل العتيق في «الكهرباء» أو «السباكة» أو «الديكورات»، ناهيك عن تمديدات تتطلب تجديدها بعد أن أكل عليها الزمن وشرب، في وقت يتسابق فيه كثير من المنازل على مجاراة أقرانهم بتحديث الديكورات وإجراء ترميمات، حتى لو كانت بحالة جيدة؛ وإنما لأنها صارت «موضة قديمة»!. الصيانة الدورية تُقلّل من نسبة تآكل الخرسانة وتُقلّص فرصة حدوث الخلل الإنشائي تنافس ومجاراة بلغ التنافس بين بعض أرباب الأسر إلى مجاراة الديكورات الحديثة حيناً، والرضوخ لرغبات «أم العيال» حيناً آخر، إلى محاكاة منزل أحد الأقارب أو المعارف، بعمل ترميمات -تكون في كثير من الأحيان غير ضرورية- من باب التجديد، حتى أصبحت حاويات مخلفات البناء تستقبل حطاماً لديكورات حديثة نوعاً ما، في مشاهد تعكس حالة بذخ غير مبرر، في وقت تتواصل فيه أسعار مواد البناء بشكل يومي، وسط غياب حماية المستهلك من أمواج الغلاء التي تلاعبت به، دون أن يقابل ذلك وعي من مستهلكين داوموا على ترميم منازلهم بشكل دوري دون ضرورة قصوى، بل إن كثيرا من المقبلين على ترميم منازلهم يشرعون في العمل دون أن يعرفوا التكاليف المقدّرة لأدوات الكهرباء والسباكة والدهانات والأبواب والطوب، حيث تضاعف أسعارها إلى أضعاف، وأقرب مثال على ذلك لفة الأسلاك الكهربائية كانت منذ أعوام بقيمة (90) ريالاً وحالياً بلغت أعلى أسعارها حتى وصلت إلى (400)!. «مواكبة الموضة» تجعلك في ورطة «عفواً الرصيد خالٍ» صيانة لازمة يضطر كثيرون إلى إجراء ترميمات لمنازلهم؛ بسبب تقادم الزمن بها، وتكسر بعض أجزائها، فيصبح عندها أمر الصيانة لا مفرّ منه، كما أشار «حسين الخلافي» إلى بلوغ منزله عمر (23) عاماً أجبره على إجراء صيانة بعد أن هبطت أجزاء من ساحاته الخارجية، إلى جانب تغيير سيراميك الأرضيات الداخلية؛ مواكبة للعصر الحديث. وقال إن الصيانة الدورية أمر مهم؛ نظراً لتأثيرات المناخ وطبيعة الأرض على أساسات المنزل، مبيناً أن الرطوبة وحرارة الجو يتسببان في حدوث تسلخات في الخرسانة، وتقشر أو تغير في ألوان الدهانات. ويعمد بعض أصحاب المنازل التي شيّدوها بأموالهم دون قرض «صندوق التنمية العقاري» بعد أن يتحصلوا عليه إلى إجراء ترميمات لأرضيات منازلهم ودهاناته، فضلاً عن تغيير معظم الأثاث؛ من باب التجديد والتغيير. ارتفاع أجور الأيدي العاملة ضاعف من مهمة ملاك منازل تتطلب الترميم وذكر «أحمد الصالح» أن صندوق التنمية العقاري اشترط عليه قبل منحه القرض كاملاً أن يُكمل مسطح البناء وفق الاشتراطات، بيد أن أسعار مواد البناء الحالية حالت دون ذلك؛ نظراً لارتفاع أسعار مواد البناء عما كانت عليه حين تشييد منزله قبل عشرة أعوام. كلفة العمالة وترتب على الطفرة التي تشهدها المملكة وما صاحبها من تنفيذ مشروعات تنموية وصناعية عملاقة زيادة في الطلب على الأيدي العاملة بشكل غير مسبوق، في وقت شهدت الُبلدان المُصدّرة لهذه العمالة -كالهند- حاجة كبيرة لعمالتها؛ نتيجة للنهضة الاقتصادية التي تعيشها مع ارتفاع في أجور تلك العمالة في بلدانها؛ ما دفع كثيرا من تلك العمالة إلى تفضيلهم البقاء في بلدانهم عن السفر إلى الخارج للعمل، وكل هذه العوامل خلقت شُحاً لافتاً في عدد العمالة، الأمر الذي جعل من ينوي بناء منزل جديد يضطر إلى البحث والانتظار شهوراً عديدة حتى يأتي دوره من أجل البدء في العمل، وبلغت على اثر ذلك الأجرة اليومية لعامل البناء العادي أكثر من (40) ريالاً لليوم الواحد، ووصلت في بعض المناطق إلى (150) ريالاً، فيما تتجاوز أجرة الفني -كهربائي، سباك، حداد، نجار- (200) ريال لليوم الواحد، وهذا يعني أن المنزل الذي كان يكلف بناء «العظم» (50) ألفا -على سبيل المثال- أصبح يكلف اليوم (150) ألف ريال. التأكد من جودة العوازل المائية يضمن عدم تسربات تضعف خرسانة السقف الوقاية خير من الترميم وأوضح «»د.علي حسين القضيب» -أستاذ الهندسة المدنية المشارك بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران وأخصائي إصلاح الخرسانة- أن سبيل تقليل وخفض التكلفة في صيانة المباني يعود إلى الوعي واستيعاب الاحتمالات المُمكن حدوثها في مرحلة ما بعد البناء، حيث إن استشعار المقولة الشهيرة «الوقاية خير من العلاج» تنطبق على كل ما بحوزتنا بما في ذلك أنفسنا، وليس ترميم المنازل فحسب. وقال إن كثيرا من الأسر يبنون منازلهم على عجل، وكأنهم يريدون سكنها بضغطة زر، ناصحاً من يود تقليل تكلفة الصيانة أن يراعي كافة الأمور، إلى جانب أخذ الاحتياطيات اللازمة لتفادى الصيانة المبكرة. تغيير تشطيبات المنزل مع كل موضة جديدة أمر مكلف وأضاف أن ارتفاع تكلفة صيانة المباني السكنية أمر متوقع؛ مُعزياً سبب ذلك إلى غياب العيادات التخصصية في مجال الإصلاح الخراساني، من أجل جودة التشخيص قبل العلاج؛ لضمان صيانة فعلية بعيداً عن ترميمات بمثابة «مكيجة» تخفي العيوب ولا تعالجها، مبيناً أن الترميم غير السليم يؤدى إجراء صيانة لاحقة قد تكون أكثر كلفة، بينما لو أُجريت إصلاحات خرسانية وصيانة احترافية لكان أجدى وأكثر نفعاً، وأوفر مالاً، منوّهاًً أن أفضل عمليات الإصلاح الخرساني هي التي تتوازن بين التكلفة والخدمة المتاحة، وتتصدى للخلل القائم. ودعا إلى خفض تكاليف الصيانة من خلال إتباع مجموعة إرشادات، أكثرها أهمية هو التأكد من عدم تغلغل المياه داخل الخرسانة؛ لأن حدوث ذلك سوف يحفز عملية تآكل الحديد وتدهور الخرسانة، بينما بالإمكان تفاديه من خلال فحص العزل المائي في الأسطح، إلى جانب الحرص على ميلان الأرضية بما يكفل تصريف مياه الأمطار، مطالباً بمناسبة دخول موسم الأمطار بزيارة أسطح المنازل، والتأكد من تنظيف مخارج تصريف الماء، إلى جانب تأمين «مراوح شفط» في دورة المياه تسهم في طرد أبخرة الماء المتصاعدة للسقف. علي القضيبي وطالب بضرورة تنفيذ وتطبيق مبادئ الجودة أثناء بناء المنازل، دون إغفال إجراء فحص دوري للمبنى، وإصلاح أي تآكل وعدم ترك المشكلة تتفاقم، إلى جانب الاهتمام بالإشراف أثناء عملية «صب الخرسانة»، حيث إن معظم المشاكل الخرسانية تنجم وتبدأ أثناء وبعد الصب، ناهيك عن تأثير شدة الحرارة والرياح، وعدم استخدام الهزاز بصورة سليمة، أو قد تكون المعالجة المائية غير كافية، إضافة إلى الصيانة الدورية لدورات المياه، كونها تعد بؤرة تصدير التآكل في جميع أنحاء المبنى، داعياً إلى عدم المبالغة في حجم المبنى؛ لأن الصيانة تأتي بحجم البناء.