ويعتبر ديوان الأغاريد من نفس الأعمال الشعرية الكاملة للسنوسي نفسه فقد قدم له الأستاذ محمد سعيد العامودي يقول فيها: (ولست أحاول في هذه الكلمة أن أعرف بالسنوسي شاعراً.. فالسنوسي مكانته بين شعرائنا البارزين فهو صاحب القلائد وقد كان لديوانه القلائد وما يزال صداه الطيب الجميل في أوساطنا الأدبية. وأحسب أني لا آتي بجديد عندما أقول عن صديقي محمد السنوسي إنه أول شاعر من شعرائنا يترجم بعضاً من شعره إلى لغة أوروبية. وتلك شهادة لا أظن السنوسي وحده يختص بها بل هي أحرى أن تكون شهادة لها مغزاها ولها مدلولها بالنسبة للشعر السعودي عامة. والحق أن في شعر شاعرنا من سمات الشاعر الأصيلة ما هو خليق بأن يجعل من هذا الشعر.. شعراً يستأهل الإعجاب). ومن هذا الشعر ما كتبه شاعرنا السنوسي عن أحمد أمين العالم والأديب المصري الكبير: ثمن المجد أن تعيش غريباً فيلسوفاً أو شاعراً أو أديباً تتحدى عواصف الفكر والرأ ي وتلقى سلم النهى والخطوبا كالشهاب الوضئ يحلو لك الجو فيزداد شعلة ولهيبا في سماء من الشعور وقلب نابض يصرع الأسى والكروبا لك روح فسيحة تسع الدنيا إذا ضاف ساكنوها قلوبا وفؤاد مضمخ بالأحاسيس يشيع السنا ويهدي الطيوبا يستمد الحياة من أفقها السا مي ويستوعب الفضاء الرحيبا رن في مسمعي نعيك والبرق حزين الدجى يشق الجيوبا فتوقفت استشف على البعد فؤاداً ذوي طرياً خصيبا وتصورت عبقرياً تردى من سماء العلى قوياً مهيبا وتنورت كوكباً صدع الليل سناه وخر يهوى معيبا يا (حياة) كانت على العلم أزكى من حياة الربيع خصباً وطيبا فجرت في مسارب الكون نبعاً وهي تستقطر الحياة حبوبا وأعلنت سلافة الروح روحاً عصرتها الشجون كوباً فكوبا (فجرها) و(الضحى) على الأفق العل مي مجداً يخلدان الغروبا حملت من رسالة الفكر نوراً ومضت تنشر اللواء القشيبا وسرت كالشهاب ينصدع الل يل على جانبيه واه كئيبا(1) وهو يشير هنا إلى موسوعة أحمد أمين التراثية (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام) و(ظهر الإسلام) التي تنم عن فكره العلمي وثقافته الواسعة وأسلوبه الأدبي في ذلك كله. ومن روائع السنوسي كذلك قصيدته التي بعنوان (يا قلمي) يخاطبه قائلاً: هلم إلي يا قلمي هلم فقد طغى ألمي فأنت إذا أشرت، يدي وأن إذا صرخت، فمي وأنت نجى آهاتي وأناتي ونبض دمي وأنت إذا بكيت، أسى دموعي فضن في كلمي وأنت إذا صبوت، هوى وغنيت الهوى نغمي وأنت ملاذ آمالي إذا ضاقت بها هممي أبثك ما أنوء به من الأزراء والنقم فتصغى لي بلا ضجر ولا ملل ولا سام حملتك في سبيل الحق والآداب والقيم وكنت ما أزال بها رضيعاً غير منفظم أهيم بها وان جرحت مناي وحطمت حلمي وأعشقها على الآلا م والضراء والسقم وأسرى في ظلام الدر ب مرفوعاً بها علمي كما سار الدليل على ضياء النجم في الظلم وأنت ترى تعدد استخدامات الشاعر والأديب لهذا القلم الميمون في سيرة ثقافية وفكرية وأدبية للشاعر والأديب السنوسي. وما أروع قوله: حملتك في سبيل الحق والآداب والقيم أهيم بها وجرحت مناي وحطمت حلمي!! أما عن المغرب الأقصى فللشاعر السنوسي قصيدة يقول فيها: على الشاطئ الرقراق في المغرب الأقصى قرأت أحاديثاً من المجد لا تحصى مسطرة من عهد موسى وطارق وعقبة لم تنصل شروحاً ولا نصا وحسان - حسان بن نعمان أنه هناك على الآثار يقتصها قصا سواطع ملء البحر والصخر والذرى تزيد اتلاقاً كلما زدتها فحصا إذا غمغمت فيها الرياح حسبتها صهيل جياد تحمل العرب الخلصا وان لاح قرص الشمس جبالها رأيت شعاع الفتح يحتضن القرصا تأملتها والذكريات يهزني صداها كما تهتز أحواجه رقصا يلوم بها الماضي كأن حياته متلفزة يرنو وينطق منتصا كأني أرى موسى أمام بخيله واسمع وثب الخيل والركض والقمصا ولمع المواضع والسفين - وطارق يخوض - عباب اليم واليم قد غصا مآثر للإسلام وهاجة السنا قباباً وألباباً سوامق لا وقصا وكم لهدى الإسلام في الأرض من يد بها صفعت مستعمراً ورمت لصا(2) وفي هذه القصيدة رأينا مآثر الإسلام في المغرب الأقصى وكيف تغنى الشاعر بها وكيف أنه سرد معلومات تاريخية عن المغرب وفي مقدمة ذلك الفتح الإسلامي لهذه البلاد التي دخلها الإسلام مبكراً جداً وذلك في بدايات النصف الثاني من القرن الأول الهجري. ثم بعد انتشار الإسلام بين ربوعها دخلها العلوم والعلماء والفقة والفقهاء والأدب والأدباء والقراء والنحويون، الذين أغنوا الساحة العلمية والفقهية والدينية والأدبية بالعلوم والآداب والثقافات. بعد هذه السياحة الشعرية والأدبية كنا نتوق إلى وجود الكتاب النثري الوحيد الذي أصدره السنوسي بعنوان (مع الشعراء) ولكننا لا ندري مصير هذا الكتاب بعد رحيل مؤلفه السنوسي سنة 1407ه إذ لم يصدر إلا في حياته رحمه الله. وبالنسبة للأعمال الشعرية الكاملة التي سردنا منها القصائد المختارة سلفاً فإننا نود أن نشير إلى أن هذه الأعمال من منشورات نادي جازان الأدبي سنة 1403ه - 1983م الطبعة الأولى والأخيرة حتى يومنا هذا. الهوامش: (1) الأعمال الكاملة، ديوان القلائد، ص 113، 116، 114. (2) ديوان الينابيع من الأعمال الكاملة، ص 624.