درجات العبقريّة والوعي الموسيقيّ لدى الراحل طلال مداح ما زالت منطقة بكر لم تطأها أقدام النقّاد الحقيقيين، فطلال - رحمه الله - لديهم هو الفنّان صاحب الصوت المتفرّد المخملي العذب المشبّع عذوبةً ودفئاً. لكنّ نظرة فاحصة ومتأمّلة لمسيرة هذا الطود الفنّي الشامخ وعطائه الفنّي تجلي لنا حقيقة مهمّة وهي أننا أمام مجموعة مواهب وقدرات في شخصية واحدة، فهذا الفنان منذ بداياته وهو ميّال الى التمرّد على القوالب الفنية الجاهزة، ونزّاع الى التجديد، وباستجلاء سريع لهذه البداية التي ارتاد فيها حقول الفن، نجد هذا الملمح التحديثي في موسيقاه وإلاّ كيف نفسّر ولوجه عالم الغناء كصوت جديد ومطرب واعد عبر عمل غنائي، بمذهب واحد وثلاثة كوبليهات، واقصد هنا اغنية "ورد يا زارع الوارد" التي كانت نقلة فنية مفاجئة خلخلت المشهد الفني في المملكة العربية السعودية، في وقت عانت الأغنية فيه من النمطية ذات الرتم والإيقاع الواحد الجامد. هذه الإطلالة التحذيريّة من طلال مداح كانت اولى بشائر النهضة الموسيقية القادمة التي سجّلت حضوره موسيقياً وملحّناً مهجوساً باختراق آفاق جديدة في الفن والغناء. لن نتحدّث عن طلال مداح الفنان المثقّف البصير بالشعر والمجالس لشعراء عصره الكبار، الذين كانت مجالسهم بالنسبة إليه بذرة زرعت فيه التذوّق الجمالي للمفردة الرصينة والمفكرنة، التي تحمل أبعاداً فكرية وإنسانية لم تكن مطروقة، انما حديثنا عن طلال الموسيقي الذي حمل على عاتقه عبء التجديد والخروج بالفن السعودي من ربقة الجمود وتحريره من الطريقة المضجرة في الألحان التي لا تعكس بعداً رؤيوياً او فكرياً، او حتى حمولات ثقافية وجمالية عبر الفنون الموسيقية المحيطة سواء عربياً او عالمياً. لقد أيقن صوت الأرض بحسّه الموسيقي الشفيف ان الموسيقى ليست مجرّد صوت بشري يصاحب الآلات الموسيقية المختلفة، وإنما هي اتجاه يتجاوز التقولب في حالة غنائية محدودة، وانما ارتياد لآفاق فنية ومغامرة تجريبية لذيذة فيها لذة الاكتشاف وألق المغامرة والابتكار، وقد نتفهّم هذه النزعة وهذا الاتجاه حين نتذكّر ان طلالاً عازف مبرز للعود على المستوى المحلي فقط، وانما عربي مع كبار العازفين الملهمين، ان لم يفقهم حساسية وشجناً في ريشته التي يؤنسن عبرها آلة العود، ويجعلها تستنطق اللوعات وتستدر الآهات. ويعزّز من هذا الاستنتاج أن طلالاً لفرط موهبته وشساعة احساسه ومخياله الإبداعي، انه كان عازفاً لأغلب الآلات الموسيقية بدءاً بآلة العود مروراً بالكمان والقانون والناي وانتهاءً بآلة الأورج الحديثة. هذا التعاطي مع تلك الآلات منحه بعداً موسيقياً ومخيالاً ابداعياً لافتاً لذلك فقد توّج هذه القدرات والمواهب بإبداع العديد من المقطوعات الموسيقية منها: موسيقى سبعة لمن؟) ومعزوفة الضباب وغيرها، أما آلة العود الأثيرة ليده فقد نسج عبر أوتارها ملاحم من الشجن عبر تقاسيم شجية تستحق ان يفرد لها دراسة مسستقلة واغنية «وردك يا زارع الورد» من أشهر الأغاني السعودية غناها طلال مداح في منتصف الخمسينات الميلادية وهي أغنية مكبلهة ويعرفها جميع متابعي الفن السعودي (يا حياتي ويا حياته) بمقدمة موسيقية رائعة جدا واحتوت على ثلاثة إيقاعات مختلفة هي السعودي والرومبا والشرح واربعة كوبليهات. «هوا حبك زي حبي» من الأغاني التي يفخر بها الفن السعودي كثيرا ولحنها طلال مداح على ايقاع الوحدة المصري وهي اغنية من اربع كوبليهات «يا أسمر تمر دايما» وهي من كلمات خالد زارع وكتب طلال مداح مذهب الأغنية كما انه قد كتب العديد من الأغاني، وقد احتوت على عدة كوبليهات،ورائعة «مجروح وائن» التي احتوت ثلاثة كوبليهات وإيقاعات مختلفة، وتعد من عجائب الاغنية السعودية وكذلك اغنية «سهرانين» احتوت على كوبليهات مختلفة وموسيقى خيالية جدا وفكر عال جدا من فنان لم يبلغ العشرين و(سويعات الاصيل) قدمت أول مرة امام الملك سعود رحمه الله واحتوت على مقدمة موسيقية رائعة واغنية (مستسلم انا مستسلم) واغنية مكبلهة احتوت العديد من الإيقاعات قدمها طلال مداح في بداياته (ياللي الليالي مشوقة لساعة لقاك) اول اغنية تغنى بها لثريا قابل وقفت اودع في المطار (مكبلهة ما تسلم الجرة (أنا مسافر وتارك لك هنا قلبي) يا مسافر عالرياض (ياللي انت في الرياض) واحتوت على مقدمة موسيقية جميلة جدا وكان رحمه الله لم يتجاوز العشرين من العمر «يا سر مكتوم» من روائع الأغنية السعودية «انتظاري طال يا حلو التثني».