تخيل أن يصلك على جوالك رسالة تخبرك أن سعادة زوجتكم، عضوة مجلس الشورى، دخلت قبة المجلس من بوابة النساء، وجلست إلى جانب زميلاتها من العضوات بعيدا عن السادة الأعضاء. ثم رسالة ثانية. خرجت حرمكم العضوة من قبة المجلس، وامتطت صهوة سيارة حمراء اللون لوحة (ع ي ب 911)، يقودها سائق فلبيني على كفالتكم! حين تداول الناس خبر ربط تحركات المرأة بولي أمرها عبر الأحوال المدنية التي ترسل من جهتها رسالة نصية إلى ولي الأمر في حال خرجت الفتاة في سفرها عن الحدود السعودية أو دخلت إليها. كانت الشائعة تقول إن المرأة بمجرد وصولها إلى المنافذ تتقاطر الرسائل إلى وليّ أمرها عبر جواله. هذه الخاصية لا تحدث أبداً ومجرد إطلاقها كشائعة تدل على أننا وصلنا إلى مستوى من المرض في الرقابة على المرأة. وتصريح المتحدث باسم الاحوال المدنية أن الرسالة تأتي في إطار التسجيل في الخدمة ضمن بوابة وزارة الداخلية، ليس دقيقاً، فقد تأكدت من كثيرين أن رسائل تصلهم دون ان يطلبوا أو يسجلوا في الخدمة! هذه الحالة الهوسية من مراقبة الفتاة بدلاً من الثقة بها، أو التلصص عليها بدلاً من منحها الحرية المسؤولة، كل تلك الحالات لا تعبر عن مجتمع متصالح مع زينة الحياة الدنيا وهي المرأة. المرأة مستقلة ذاتياً ولها ما للذكر، وهي إنسان قبل أن تكون أنثى، الاختلاف البيولوجي لا يضع أي فروقات بين الرجل والمرأة في أمور الدنيا كلها، في الدين ثمة مسائل فقهية وموضوعات اجتهادية وهي ظنية وليست قطعية مثل ولاية المرأة للقضاء أو إمامتها للصلاة، وهذه مسائل دنيوية وليست مصيرية ولا تمسّ أبداً من إنسانية المرأة أو فردانيتها أو استقلالها الشخصي أمام القانون والأنظمة وأمام الحقوق والفرص. وكما تحاسبون المرأة كشخصية مستقلة في حال أخطأت فعليكم أن تعاملوها كشخصية مستقلة في حقوقها وفرصها وحركتها الدنيوية. فقهاء كثر أدركوا الثغرات التي سببها الإرث الفقهي البشري المرتبط بالتقاليد على المرأة، من بينهم الطاهر بن عاشور والطاهر الحداد وعبدالحليم أبو شقة ومن المعاصرين الباحث جمال البنا وغيرهم، كل هؤلاء وجدوا أن ما يشل حركة المرأة منشؤه من تأويلات فقهية بشرية اختلطت بالنظم القبلية وبالتقاليد الموروثة الخاطئة، والدين منها بريء. ما ورد في القرآن أن شهادة الرجل عن شهادة امرأتين والعلة خشية: "أن تظلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" وعائشة في فقهها كانت ترفض الانتقاص من المرأة وبخاصة ادعاء أن المرأة تقطع الصلاة، ونفي عائشة جاء بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وجاء فيه: "شبّهْتُمُونا بالحُمُر والكلاب؟! والله! لقدْ رأيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلّي، وإنّي على السّرير بيْنهُ وبيْن القبْلة مُضْطجعة، فتبْدُو لي الحاجةُ، فأكْرهُ أنْ أجْلسُ فأوذي النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنْسلّ منْ عنْد رجْليْه"! بآخر السطر، فإن المرأة لها سيادة على نفسها، وحسناً فعلت "الأحوال المدنية" حين نفت خبر ربط سفر المرأة بولي أمرها تقنياً، مع وجودها اختيارياً لدى وزارة الداخلية، وأرى أن هذه الخدمة سواء إجبارية كانت أو اختيارية ضد حرية المرأة وضد استقلاليتها وإنسانيتها.