من خصائص العلاقة القائمة بين المواطن والقيادة وضوح تعاملاتها، وشفافية تفاصيلها، وحميمية روابطها الحياتية، لهذا يخطئ كثير من المراقبين والمحللين والمتابعين في قراءة الواقع الحياتي في المملكة، ومواقف المواطن من بعض الظواهر والمتغيرات في الفضاء التنموي على كل الصعد، ومدى تأثير هذه الظواهر أو الحالات على مستقبلات العلاقة في أطرها الشاملة بين الناس بكل أطيافهم وشرائحهم في المدينة والقرية والهجرة والمزرعة والمصنع والمدرسة والبيت، وبين رموز الدولة وقيادتها السياسية، ذلك لأن هؤلاء الذين يشتغلون بالتحليل والقراءة يجهلون تماماً ماهية الروابط والعلائق التي أسست للعقد الاجتماعي المبهر منذ أن بايع الناس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في قصر الحكم بوسط الرياض وحتى عصرنا الحاضر، فقد جاء النظام السياسي من نسيج الناس، مؤطراً بقلوب الناس، محفوفاً بحب الناس، هاتفة له ومرحبة به حناجر الناس في كل هذا الفضاء الجغرافي، بمعنى أنه لم يأت على ظهر دبابة معروفة أو مجهولة جنسيتها، ولم تكن حاميته ومرسخة مداميك وجوده أجهزة المخابرات والبطش والقهر والعنف والاغتيالات والتصفيات الفردية والجماعية، هو جاء من عطش الشعب والجغرافيا والتاريخ والإرث إلى قيادة تنبعث من ذاته ووجدانه ونسيجه ترسخ الأمن، وتوحد القلوب، وتجمع الشتات الضائع في الصحارى الشاسعة يتخاصم على مورد ماء، أو مرج أخضر سخي العشب، يشبع الماشية، ويسهم في رخاء القبيلة أو الجماعة أو العشيرة، وتصهر هذا الإنسان في توجه واحد يعمل من أجل الرخاء والنماء والاستقرار الأمني والحياتي والإنتاج في كل مضامين الحياة، وتذيب الفوارق بين بدو وحضر، بين من هو في علاقة وصلة بثقافة الزراعة والمهن الاجتماعية، وبين من هو يشرب من ثقافة الصحراء، ومعجون بهمّ وهواجس الترحال، مهووس بعدم الاستقرار، وهذا ما تحقق مع انبلاجة ضوء صباح يوم تاريخي ومفصلي أشرق على الرياض في العام 1902، ونادى المنادي «الحكم لله ثم لابن سعود» وحتى يومنا المبهج، وسيستمر بإذن الله ومشيئته على هذا السلوك من التوحد والتقارب والانصهار. إذن: هكذا هي العلاقة بين الناس وبين النظام السياسي، بين الطيف الاجتماعي من الماء إلى الماء وبين الأسرة الحاكمة، بين شرائح الشعب وفئات المجتمع وبين رموز النظام بدءاً من الملك وولي العهد - يحفظهما الله - وحتى كل الرموز القيادية في الهرم السياسي، يتعاملون مع بعضهم من منطلقات الحب والود والاحترام والثقة، وعبر أهداف وغايات وطموحات واحدة تنحو إلى سعادة الناس، وتألقات الوطن. وإذا كان الناس قد تابعوا بنوع من القلق والتخوف والوجل أخبار العملية الجراحية التي أجريت لخادم الحرمين الشريفين، فإن هذا مبرر لهم فمن حق الأبناء أن يقلقوا على والدهم، ومن حق الإخوة أن يتألموا لعارض صحي يمر به واحد منهم، ومن حق الأسرة الواحدة أن يدخل الوجل إلى قلوبهم حين يتعرض أحد أفرادها ومكوناتها إلى مشكلة حياتية أو صحية، كما من حقهم جميعاً أن يفرحوا ويبتسموا ويحلقوا بين الغيمات وفوق السحب حين يجتاز هذا العارض، ويتجاوز الاحتمالات، وهذا ما تعاملت به القيادة بشفافية تعاملاتها مع الناس حين أعطت بالتفاصيل الدقيقة في جزئياتها كل الحالات التي مر بها خادم الحرمين الشريفين منذ دخوله مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني بالرياض، وحتى انتهاء العملية بنجاح ولله الحمد. هذه الشفافية والمصارحة والمكاشفة تؤكد أن الجميع أسرة واحدة في هذا الكيان الكبير، وأن صحة الحاكم هي هاجس الشعب، كما أن الحاكم هنا لا يمارس الزيف والالتباس في علاقته بالناس حتى في شأن خاص، كما تعودناه في بعض الوطن العربي، وعند بعض قيادات العسكر الذين يعتبرون الخوض في أمورهم الصحية أمراً محرماً يعاقب مرتكبه بالسجون والأقبية والاعتقالات إن لم نقل الموت. لنفرح جميعا بشفاء الملك الأب والإنسان والمواطن والقائد، متّعه الله بكل الصحة.