ليس هناك ما هو أكثر مدعاة للألم والحزن أن يجد المرء نفسه وجهاً لوجه أمام الحقيقة المرة والفاجعة العاصفة محاولاً الكتابة عن رحيل شخصية عربية تاريخية بحجم المغفور له بإذنه تعالى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، حينها تصبح اللغة عاجزة عن استلهام المشاعر والعواطف والأحاسيس الداخلية، والتعبير عن مكنونات الذات البشرية في رثاء تلك الهامة الإنسانية الحضارية السامقة التي تطال بمجدها وتاريخها وإرثها الوطني والعربي والإسلامي السماء رفعة وعزة، ومهما قيل عنه من كلمات وتقييمات وتحليلات فإن الفقيد سيظل أكبر من كل الكلمات، وما قيل وسيقال عنه سيظل على الدوام بمثابة روافد وجداول نهرية صغيرة تصب في أعماق هذا البحر الذي اسمه سلطان بن عبدالعزيز. برحيل الأمير سلطان فقدت الأمة العربية والإسلامية والشعب السعودي على وجه الخصوص شخصية وطنية وإنسانية نادرة، اختزلت في ضميرها تاريخ هذه الأمة وحاضرها وعقيدتها وهويتها العربية والإسلامية، جسد أحلام وآمال شعبه ووطنه وجموحه في اللحاق بركب الحضارة ومواجهة التحديات الماثلة أمامه باستخدام لغة العصر وأدواته وأسلحته المعرفية والعلمية.. رحيل الأمير سلطان فقدت اليمن قيادة وحكومة وشعباً صديقاً صدوقاً وحليفاً تاريخياً ونصيراً قوياً وقلباً مفعماً بحبه لليمن، فهذه الشخصية الفذة التي استوطنت قلوب وأفئدة اليمنيين أمضت شطراً كبيراً من تاريخها العملي ونشاطها السياسي في التعامل مع الملف اليمني بكل قضاياه وإشكالاته، وترأس اللجنة الخاصة باليمن، كما ترأس الجانب السعودي في مجلس التنسيق اليمني - السعودي لقد أفنى الفقيد حياته في سبيل بناء وطنٍ ومجتمعٍ أحبه وعشقه إلى درجة الانصهار فيه تاريخاً وحضارة ومجداً.. أسهم في قيادة ركبه وعايش لحظات انبعاثه الجديد وتحولاته الجذرية الشاملة والعميقة على مختلف الصعد.. ولهذا فلقد كان قائداً استثنائياً في تعامله مع شعبه وأمته، ورحل مخلفاً الكثير من الانجازات العملاقة كعناوين بارزة لمحطات عطائه في سفر التاريخ السعودي المعاصر، تحكي قصة نجاحه وعبقريته في إدارة المواقع والمسؤوليات القيادية التي تولاها على الرغم من كثرتها وتعدد طبيعتها واختصاصاتها.. هذه الانجازات ستظل شامخة على الأرض وفي صفحات التاريخ وفي وجدان كل مواطن سعودي، يستحيل على الزمن تجاوزها أو طيها في بحر النسيان. مثل غيره من عظماء التاريخ، أسهمت هذه الشخصية القيادية الفذة بدور فاعل في صناعة وتقرير وجهة التحولات والتطورات والأحداث التي شهدتها المنطقة، لصالح الأمة العربية والإسلامية وخدمة أهدافها وتطلعاتها الإنسانية المشروعة في الدفاع الصلب عن حقوقها وعقيدتها.. وجاء رحيله في مثل هذه الظروف الاستثنائية المعقدة والخطيرة فاجعة وخسارة كبيرة فقد فيها العرب والمسلمون والعالم شخصية سياسية محترفة جسدت بفكرها ونهجها الوسطي المعتدل أمل الحاضر والمستقبل، عرف عنها كفاحها الطويل والمرير ضد الإرهاب والغلو والتطرف، وترسيخ مداميك الحق والعدل والرحمة والمحبة والتسامح والحوار بين مختلف الشعوب والمذاهب والأديان، جُسِّد ذلك النهج في الواقع الحياتي من خلال تبني الفقيد ورعايته للبرامج الخاصة بالدراسات العربية والإسلامية التي تحمل اسمه في العديد من الجامعات السعودية والعربية وفي الدول الأجنبية، حيث تضطلع بدور لا يستهان به في تعليم وتعريف طلاب العلم بحقيقة الدين الإسلامي، وستظل على الدوام ذلك القبس المستمد من نور الفقيد الذي يضيء للأجيال سبل الحوار الديني والحضاري والعبور إلى الغد السعيد الآمن والمزدهر الخالي من كل أشكال الحقد والكراهية. الأهمية والأبعاد الدولية والإنسانية لشخصية الفقيد سلطان بن عبدالعزيز تتجسد أيضاً من خلال أدواره وإنجازاته الحافلة بأعمال الخير داخل الوطن السعودي وخارجه ومثلت بكل المعايير التعبير الحي والخلاق لرسالة الدين الإسلامي الحنيف وقيمه ومثله ومبادئه وأخلاقياته الإنسانية النبيلة التي تشبع بها الراحل الكبير منذ نعومة أظافره وحولها إلى مشاريع إغاثية وتنموية وخدمية تخطت جغرافية وديمغرافية المملكة العربية السعودية إلى محيطها الإقليمي والعربي والإسلامي والدولي، وجاء عطاؤها المتدفق بالخير ليبدد أحزان وأوجاع ملايين الفقراء والمحتاجين للغذاء والمياه النقية والدواء والمدرسة والمكتبة والمسجد والطريق والسكن والنور وغيرها من المشاريع الخدمية التي تم تنفيذها في العديد من أقطار العالم النامي. وبرحيل الأمير سلطان فقدت اليمن قيادة وحكومة وشعباً صديقاً صدوقاً وحليفاً تاريخياً ونصيراً قوياً وقلباً مفعماً بحبه لليمن، فهذه الشخصية الفذة التي استوطنت قلوب وأفئدة اليمنيين أمضت شطراً كبيراً من تاريخها العملي ونشاطها السياسي في التعامل مع الملف اليمني بكل قضاياه وإشكالاته، وترأس اللجنة الخاصة باليمن، كما ترأس الجانب السعودي في مجلس التنسيق اليمني - السعودي.. فكان على اتصال دائم ودراية تامة بالواقع اليمني ومكوناته الاجتماعية القبلية، وألوان طيفه السياسي بكل سماته وتعقيداته وإشكالاته وهمومه واحتياجاته، الأمر الذي أهله لأن يكون أحد الأعمدة المحورية التي تقوم عليها العلاقات اليمنية - السعودية، ففي كل المراحل التي تعرضت فيها هذه العلاقة لبعض العطب والاختلالات والتوترات كان على الدوام الحلقة المركزية المتينة التي لا تنفصم عراها، وتمكن بحكمته ونفوذه ومكانته المرموقة في الوسط الاجتماعي والسياسي اليمني من معالجة هذه الأعطاب وتصحيح الاختلالات وإعادة الأمور إلى مسارها التاريخي الصحيح.. وبالنسبة له كانت الوشائج الاجتماعية والروابط التاريخية والمصالح المشتركة، ووحدة الجغرافيا والعقيدة والمصير تطغى على كل الاعتبارات والحسابات والمصالح السياسية الآنية، فيما يتعلق بالعلاقات مع اليمن. البسطاء من أبناء الشعب اليمني عرفوا الأمير سلطان من خلال أياديه البيضاء الممدودة إليهم بالخير والحب، ووجدوه حقيقة ساطعة في وجدانهم من خلال المشاريع الخدمية والتنموية التي كان يعتمدها ويقدمها باسم المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً، وكان اليمنيون ينعمون بخيراتها، وعرفته القيادة اليمنية رجل دولة وقائداً حكيماً أسهم بفاعلية في إعادة بناء العلاقات اليمنية - السعودية على أسس عملية صحيحة، وجعل أبوابها مُشرعة نحو آفاق غير محدودة من التعاون والتكامل الشامل لمختلف قطاعات الحياة دون استثناء، وعرفه السياسيون باختلاف ألوان طيفهم السياسي مفكراً وسياسياً استراتيجياً من الطراز الأول تميز بشجاعته وثبات مواقفه تجاه اليمن ودعم قضاياها التنموية وأمنها ووحدتها واستقرارها. اليوم خَلَدَ الفقيد للراحة الأبدية إلى جوار ربه، واعتلى ذروة الخلود في وجدان الشعبين السعودي واليمني وكل محبيه، موقناً أن البذور والزروع التي غرسها في رحم الأرض ولم تثمر بعد ستجد من يرعاها إلى حين تثمر ذات يوم كما أثمرت سابقاتها في مختلف المجالات. الوفاء والعزاء لشخصية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله أن تُستلهم سجاياه الوطنية والإنسانية السامية وفكره وإرثه ومواقفه ومبادئه وتمثلها في مواجهة استحقاق الحاضر والمستقبل وما تفرضه من تحديات، وأن تتحول حالة الحزن والفاجعة التي أصابت الشعبين والبلدين الشقيقين برحيله إلى أداء حقيقي في الانتصار لقناعات وخيارات ونهج الفقيد الذي اختطه ومنحه أجمل وأخصب سنوات عمره وعطائه حتى يضع قاطرة العلاقات اليمنية - السعودية في مساراتها الصحيحة والمتطورة باستمرار. المرحلة النوعية والمتطورة التي وصلتها العلاقات بين البلدين والشعبين اليوم بكل إيجابياتها هي محصلة وخلاصة فكرية وعملية لتجاربه وأعماله الجليلة المستمدة من حقائق التوحد الاجتماعي والعقدي والجغرافي والتاريخي، ومن تطلعات البلدين والشعبين وحاجتهما المشتركة إلى الأمن والاستقرار والنهوض الحضاري ومواجهة تحديات ومخاطر الحاضر والمستقبل الشاخصة أمامنا وتلك التي لم تظهر على شاشات الرادار.. المحطة التي وصلنا إليها اليوم تضع اليمنيين والسعوديين أمام مسؤوليات تاريخية جسيمة لاستكمال النهج النضالي الصاعد الذي اختطه الفقيد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.