بات انتظار الحرب على غزة أصعب من وقوعها في ظل التهديدات المتبادلة بين التصعيد والتهدئة وما يدور من تكهنات حول آثارها وتكلفتها وتوقيتها. قد تبدو حاجة إسرائيل دائماً للحرب ملحة أكثر من رغبة «حماس» في تهدئة في قطاع غزة لطالما راهنت عليها سياسياً باعتبار أنها تشكل بالنسبة إليها بديل «الاعتراف والمصالحة» ولو حتى حين. إلا انه في المقابل يمكن قراءة أكثر من رسالة لهذه التهديدات المتواصلة بشن عملية موسعة في غزة لإسقاط حكم «حماس» وهو الأمر المستبعد باعتبار أن الوضع القائم هو الأمثل خصوص اً مع إظهار الأخيرة قدرتها على تلبية الشرط الإسرائيلي والمتمحور حول الأمن. في غزة تجري الاستعدادات للمواجهة حيث تصاعدت التصريحات متوعدة بالتصدي والانتصار ومطالبة الاحتلال باغتنام فرصة التهدئة الممنوحة له قبل بدء المعركة، وهي تصريحات تواصلت حتى أفقدت العدو قدرته على الردع وكشفت مدى هشاشة جبهته الداخلية. وباستثناء القتل والدمار وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية لتلائم سكان المستوطنات المحاذية للقطاع لا يوجد لإسرائيل ما تثبته لنفسها عسكرياً. غير ان قطاع غزة أصبح بمثابة الحديقة الخلفية التي يجب تذكيرها بالقوة كل عام او اثنين لكن ذلك لا يمنع من وجود رسائل تريد تل أبيب تمريرها عبر عملية عسكرية باعتبار ان استخدام القوة هو استمرار للسياسة ولكن بوسائل أخرى، أبرز هذه الرسائل التي قد تحملها عملية عسكرية على قطاع غزة هو رغبة الاحتلال في ضرب أي تطورات تحدث على الساحة الفلسطينية من النوع الذي قد يفضي إلى إنهاء الانقسام وهو ما عكسته التحذيرات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية. الأمر الآخر هو محاولة اختبار الوضع الإقليمي العربي بعد التطورات التي عصفت بالمنطقة (خصوصاً مصر) كذلك التهرب من عملية التسوية واستحقاقاتها، كما ان هناك إشارة أخرى هي رغبة بعض جنرالات تل أبيب في التخلص من وزر إفشال عملية «الرصاص المصبوب»، كما أتهم رئيس الوزراء السابق أيهود اولمرت وزير الدفاع أيهود باراك بتعطيل قرارات المجلس الأمني المصغر الذي كان يقضي خلال الحرب الأخيرة على غزة بإسقاط حكم «حماس». إن الخلل في ميزان القوة مع العدو ليس فقط عسكرياً، فغزة ليست المكان الذي ستثبت فيه تل أبيب قدرتها على الردع من عدمه كما ان كثرة استجلاب الحروب والمواجهات الفراغية لا تعطي انتصاراً، مثل التهدئة التي لا تعطي شرعية لأحد وان طالت.