أظن أننا جميعاً نتفق على تعريف الظواهر الاجتماعية، ونستطيع أن نفرق بين الظواهر التي تنتشر وتستحق أن نناقشها لتأثيرها وتبعاتها، وبين ما يمكن أن نسميه حالة فردية أو حادثة قد تمر مرور الكرام. حين يكون الحديث عن العنف الجسدي واللفظي تجاه النساء والأطفال قد ندخل منطقة شائكة خاصة حين ترتفع الأصوات بضرورة وضع قوانين للحماية ونظم تضمن للفئة المتضررة حقها لا لأن المجتمع ضد ذلك لكن المجتمع بأفراده قد يكون في مرحلة عدم استعياب حصول هذه الجرائم وحدوثها من قبل أب أو أم نحو أطفالهما فيبدأ النقاش حول ما إذا كانت هذه الحوادث فردية وعن مدى سلامة عقل ونفسية المعتدي بحثا عن الأسباب وليس محاولة للتبرير فهذه الأعمال غير السوية لا تحدث إلا من أناس غير أسوياء. وحتى لو كانت هذه الحوادث نادرة أو قليلة إلا أنها تستدعي التعامل معها بطريقة استباقية لأننا هنا نتحدث عن تسلط واعتداء جسدي أو لفظي إجرامي. والطرق الاستباقية تشمل وجود بروتوكول معين للإبلاغ عن الاشتباه بحالات العنف الجسدي، وطرق معينة للتحقق منه. العلامات النفسية والجسدية للأطفال المتعرضين لعنف أو اعتداء جسدي معروفة وبرامج التوعية والخدمات التي يقدمها برنامج الامان الأسري الوطني تساعد أفراد المجتمع للتعرف على هذه العلامات والتحرك لحماية الطفل. العنف الجسدي لا يحدث فجأة وهو ليس موقفا فرديا أو خطأ عابرا لا يتكرر بل إنه حالة دائمة ومستمرة ومتدرجة في عنفها لذلك فإن تقنين الحضانة والاحتكاك بين المعتدي من الأبوين أمر مطلوب حتى لا يتطور الأمر ونكون أمام جريمة قتل تهز المجتمع فإنقاذ حياة طفل صغير من يدي مجرم أولوية وأمامها يجب أن تتوقف كل اعتبارات أخرى مثل الوصاية القانونية او حق الحضانة فالأب الذي يحرق جلد ابنه او ابنته بأعقاب السجائر لا يستحق ان توكل له أحقية اتخاذ القرارات فيما يخص هذا الطفل لأنه قد يتخذ قرار قتله يوما في جريمة بشعة. مهمة المجتمع هي حماية الفئات الضعيفة فيه، وفي معظم حالات العنف الأسري تكون المرأة أو الطفل هما الضحايا وهما الطرف الأضعف الذي يحتاج لكثير من الشجاعة حتى يخرج من دائرة التأثير النفسي للتعنيف والنظرة الاجتماعية ليتكلم ويشتكي ويطلب الحماية بدلا من الاستسلام لسلطة المعتدي. والشجاعة هذه تنمو حين يثق الطرف الضعيف بوجود وعي اجتماعي يحميه ويوفر له الدعم النفسي والبيئي والقانوني والمادي. لذلك فإن وجود مسار حماية واضح لهذا الطرف الضعيف يبني هذه الثقة كي يستطيع أن يستعين بالمجتمع لحماية نفسه قبل أن يصبح ضحية في جريمة يفقد فيها حياته. ردود فعلنا المبدئية حين نسمع مثل هذه الحوادث هي عدم تصديقها لبشاعتها ثم التقزز من تفاصيلها لكن ما نحتاجه الآن هو مواجهة العنف الأسري بكل أنواعه وتعاون كل جهات المجتمع وأفراده للوقوف ضد جريمة العنف.