خرج "أبو أحمد" - 65 عاماً - مسرعاً ليلحق بصلاة الجمعة في الجامع القريب من منزله، نسي إغلاق باب غرفته التي لا يسمح لأحد أن يدخلها، حتى أصبحت عالماً مثيراً يحلم المتطفلون من أحفاده الشباب والأطفال دخوله واكتشاف أسراره، كان ذلك مدعاة للوساوس التي حالت دونه ودون صلاته بخشوع، وما أن عاد إلى المنزل متوجهاً نحو غرفته، إذ بمتسللين صغار يخرجون منها حاملين ما طالت أيديهم من مقتنياته الشخصية التي لا تقدر بثمن - على الأقل من وجهة نظر "أبو أحمد" -، فهذا يحمل جهاز "الراديو"، وذاك يجر خلفه حبلاً بالياً، فيما يقبع آخر داخل الغرفة مستمتعاً بالبحث في حقيبة "أبو أحمد"، وهي من أكبر المحاذير التي لا يسمح لأحد حتى بالنظر إليها، لم يمهلهم طويلاً، حيث أخذ يلاحقهم ويلوح بالضرب، فيما تجمعت الأمهات كل واحدة تطيب خاطر ابنها. بركة كبير السن تبعث في الروح قيماً وبراً وحباً إلى الأبد «أرشيف الرياض» ويعاني كثير من الأُسر التي يوجد فيها "كبار السن"، ممن يتميز بغرابة الأطوار، أو وجود طقوس معينة تحكم حياتهم، وتشكل عبئاً على أفراد الأسرة في التكيف معها، وهو ما يُحتم أن نتعامل معهم باحترام وتقدير، مع الصبر على انفعالاتهم، فمهما كان يبقون "حلاة الدنيا"، بل وهم أحد أسباب نجاحنا، ومن "العيب" بعد هذا العمر أن نتنكر لهم، أو نتذمر من تصرفاتهم. غرفة ورُكام وقالت السيدة "بدرية": منذ أن تقاعد والدها انتابته حالة من الحرص الزائد على مقتنياته الشخصية، وحتى على موجودات المنزل، التي تشكل له ذكريات في مراحل حياته، لتتحول غرفته إلى "رُكام" من المقتنيات الزائدة عن الحاجة، وكأنها مستودع، دون اكتراث منه لتأثير ذلك على صحته، حيث يرفض أن تُنظف بشكل يومي، أو أن يحرك شيء من مكانه إلاّ في وجوده وإشرافه، مبينةً أنه أصبح تنظيف الغرفة مشكلة مؤرقة، مشيرةً إلى والدتها هجرته إلى غرفة أخرى، مؤكدةً أنه في كل مرة يدخل ويخرج منها يقفلها، وعندما ينسى ذلك وقد خرج في مشوار خارج المنزل يقلقهم بكثرة اتصالاته وتهديداته، خاصةً الأطفال. غرفة المقلط ووصف "أبو طلال" شخصية والده بالعنيدة، مضيفاً أنه اتخذ من "المقلط" مكاناً دائماً لإقامته، ينام ويأكل ويشرب فيه، وكذلك يستقبل ضيوفه هناك، مبيناً أنه يحتفظ بمقتنياته حول فراش نومه الذي يرفض أن ينقل من مكانه، ذاكراً أنه تم تجهيز غرفته بحيث يستطيع أن يتصرف بها كما يحلو له، لكنه رفض مصراً على البقاء في "المقلط"، حيث يتسنى له مشاهدة كل من يدخل ويخرج من المنزل، ويشعر فيه بسعة الصدر، إلاّ أن المشكلة تكمن في بقائه هناك، خاصةً في حال وجود الضيوف، مشيراً إلى أن مقتنيات الشايب وأجهزته تُعد مكاناً جاذباً ومثيراً لفضول الأطفال، الذين يتسللون إليه في غفلة منه، ويعبثون في الغرفة، لتنطلق صرخاته فجأة مع بكاء الأطفال. مُتعلق بي وذكر "أبوعبدالله" أن والده بلغ (68) عاماً ويتمتع بروح مرحة مسلية، لذلك لا يكاد يمر يوم من دون أن يستقبل زواراً من الأقارب والأصدقاء والمعارف، أو يكون في زيارة لأحد، مضيفاً أن مشكلة "الشايب" وبحكم سكنه مع أسرتي أنه يصر أن أكون موجوداً في المنزل لاستقبال ضيوفه، خاصةً من يهمه أمرهم، أو أن أوصله لمشاويره هنا وهناك، الأمر الذي يستهلك وقتي وعلى حساب حياتي الشخصية، مبيناً أنه بالكاد يتقبل أن يحل أحداً مكاني من أخوتي، ولا أنكر أنني أتمتع بحبه واهتمامه ويخصني بمعاملة لا يحظى بها أحد، إلاّ أنني أكون في حاجة للخصوصية مع أسرتي أو أصدقائي، مشيراً إلى أنه قليلاً ما يتسنى لي ذلك، فضلاً عن أنني أكون أحياناً مصدرا للنكتة والتندر، بحكم سمنتي الزائدة. وأضاف: يفتقدني والدي كثيراً عندما أكون منتدباً في عمل خارجي، حتى أنه يكلمني أكثر مما تفعل الوالدة، ويحتفل بعودتي، بل إنه يُقيم وليمة تثير غيرة أخوتي، فهو لا يفعل ذلك لأي منهم. اقتناء السيارات ويهوى أحد كبار السن اقتناء السيارات الجديدة، حيث يملك سيارتين ويفكر باقتناء أخرى، على الرغم من أنهما لا زالتا جديدتين، بل أنه لا يستخدمهما إلاّ في "مشاوير" محدودة. وقالت "الجوهرة بنت سعد": مشكلة والدي في ولعه باقتناء السيارات، مضيفةً أن لديه حالياً ثلاث سيارات، يستخدم الصغيرة فقط للذهاب إلى المسجد، أما الأخريات فتظل قابعة في "الحوش"، وممنوع على أي كان قيادتها، وكل يوم يدخل العامل لتنظيفها وتجهيزها، مبينةً أنه بعض الأحيان تتعطل سيارة أحد إخوتي فيضطر لاستئجار سيارة، حيث يرفض والدي أن يعطي سيارته لأي شخص كان، لافتةً إلى أن والدها يُفضل الذهاب إلى محلات بيع الأواني و"أبو ريالين"، ويصطحب الوالدة معه لهذا الغرض، ذاكرةً أنه يحب شراء "ترامس" القهوة والشاي وغيرها. وعلى العكس، السيد "خالد منصور" الذي يهوى شراء السيارات المستعملة، فبعد أن تقاعد أصبح يتردد على السوق، حتى تعلم "حيل الشريطية" في البيع والشراء، وأصبح واحدا منهم. وذكرت "زوجته" أنه في كل أسبوع يقتني سيارة مستعملة ثم يبيعها وهكذا، مضيفةً أنه يمتلك أكثر من واحدة يحتفظ بها ويستخدمها، حتى يجد لها زبونا جيدا يحقق له أرباحاً كبيرة، مشيرةً إلى أن أحد أبنائه لا يتقبل فكرة امتهان والده هذا العمل، خاصةً أنه كان يتمتع بعمل حكومي جيد، ذاكرةً أن بناته يتذمرن من ركوب سياراته التي يشتريها. أعرس وفكّنا! بعد أشهر من تقاعده تحول إلى شخص آخر أكثر عصبية وحساسية ودائم الشجار مع زوجته، لدرجة أصبحت تردد عليه: "أعرس وفكنا"!، وهو ما كان يثير غضبه وانفعاله أكثر. وقال "أبو محمد": إن والدي أصبح عصبياًّ بشكل لا يطاق، خاصةً من والدتي، التي بدورها تشتكي من تدخله في شؤون المنزل صغيرها وكبيرها، فكل الأعطال يحاول تشخيصها وإصلاحها، وهو ما يفاقم المشاكل بينه وبين والدتي، مبيناً أن والده الآن على مشارف السبعين من عمره، وأصبح مهملاً لمظهره الشخصي، وقد يمر أكثر من أسبوع دون أن يستحم أو يغير ملابسه إلاّ بشق الأنفس، حتى عندما نشتري له ملابس جديدة يخبئها في خزانته ويظل متمسكاً بالقديم ولا يتخلى عنه، مؤكداً أن والدته وبعض إخوته ينتقدونه في محاولة منهم لتغييره، لكن ذلك لم يجدِ نفعاً، حيث يحتفظ في غرفته بأنواع وأشكال من "المراهم" و"الدهانات" ذات روائح نفاذة وتزكم الأنفاس، حيث تستخدم عادة لآلام المفاصل والعضلات.