مع اقتراب فصل الشتاء تكثر المركبات المحملة بالحطب المحلي لبيعه في الطرقات وأماكن التنزه غير أبهة بتعليمات وزارة الزراعة الداعية للحد من ظاهرة الاحتطاب التي غزت صحارينا وأصابتها بالتصحر بسبب ضعاف النفوس من مواطنين ومقيمين يمارسون الاحتطاب الجائر، مما أثر على الغطاء النباتي الطبيعي، ويتم هذا السلوك العدواني ضد البيئة بالرغم من وجود قوانين صارمة، لكنها تفتقر للتطبيق، ففي بعض الدول كنيوزيلندا لا يسمح بقطع شجرة ولو كانت في حديقة المنزل إلا بإذن من البلدية التي عادة لا تسمح بإزالتها إلا بعد دراسة وبحث عن بدائل، كنقلها أو زراعة بديل عنها. وقد أوجدت وزارة الزراعة بدائل للاحتطاب كالاستيراد، لكن للأسف بعض القطاعات الحكومية ذات العلاقة لم تتعاون مع المستوردين وتسهل اجراءاتهم مما جعلهم يحجمون عن استيراده، فيما هناك بوادر لحلول فردية. قرارات لا تنفذ يقول المتخصص في بيع المدافئ المطورة باستخدام بدائل الحطب صالح الحسن: الجهات المعنية دائما تؤكد على أن الاحتطاب ممنوع، لكنها أوجدت سوقا رائجا للحطب المحلي، ومن المفترض أن يكون هذا السوق للحطب المستورد فقط، ويجرّم فيه بيع الحطب المحلي، مشيرا الى وجود بدائل كثيرة للتدفئة ومنها ظهور المدافئ التي تعمل على الكهرباء أو الغاز وهي مأمونة العواقب إذا طبقت الاشتراطات التشغيلية لها. وطالب أن يتم مراعاة قرار وزارة الزراعة التي تشدد على الحد من ظاهرة الاحتطاب الداخلي باستخدام منتجات بديلة أو مستوردة تنافس الحطب والفحم المحلي من حيث الجودة والمواصفات وتؤدي نفس الغرض، حيث دعت وزارة الزراعة التجار والمؤسسات والشركات العاملة في مجال تجارة الأخشاب وغيرها إلى استيراد الحطب والفحم قبل موسم فصل الشتاء الذي يكثر فيه الطلب على هذه المواد، وخاصة من الدول التي تمتاز بوفرة إنتاجها، ولديها المزايا النسبية، والاستفادة من الإعفاء الجمركي الذي قدمته الحكومة تشجيعاً لهذا النشاط. ويضيف: كنت أورد الحطب من الأرجنتين وكان القصد المساهمة في الحد من الاحتطاب المحلي، لكن الجمارك لم تتساعد معنا فلكل جهة قانون خاص بها تفتي به على مزاجها، علما أنني أقوم قبل توريد الحطب من بلد المنشأ بتبخيره لعدم نقله لأي بكتيريا، مؤكدا أن قلة الأمطار قد تكون بسبب عدم وجود الأشجار التي تعمل على التبخر والاستمطار. د عبدالله المسند استمرار الاحتطاب ويشير عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند الى صدور قرار منع الاحتطاب من قِبل وزارة الزراعة في إطار مكافحتها للتصحر قبل عدة سنوات، وإعطاء مهلة لتصريف الموجود بالسوق ومن ثم تطبيق القرار بدءاً من أول العام 1430، لكن تفاجأ الجميع أن القرار لم يحظ بالمتابعة والتطبيق المطلوب، فالاحتطاب الجائر منتشر وبجشع في عشرات الأودية، خاصة في القطاع الغربي من المملكة، والجنوب الغربي، حيث الأودية التي يتكاثر بها الطلح والسمر ونحوهما، وأسواق الحطب المحلي تنتشر في كل مدينة وقرية علناً، بل ويكشف لك البائع عن مصدر جلب الحطب المحلي، حتى أصبحت السيارات الناقلة للحطب المحلي تسير في الطرق نهارا، ويُدرك الجميع خطورة المضي في تعرية الأرض من الأشجار، وإحداث الخلل البيئي في المنطقة. وطالب المسند وزارة الزراعة إلى الذهاب إلى أبعد من منع الاحتطاب والبدء في مشروع وطني حَضَري بيئي لزراعة الأودية بشجر السدر والطلح والسمر وغيرها من الأشجار الصحراوية المحلية، وفق برنامج وطني طويل الأمد. وعزا المسند اختفاء وتدهور مقومات الجمال الطبيعي لمتنزهاتنا البرية، وتدهور غطائها النباتي، وما ترتب عليه من تصحر وزحف للرمال واختلال في التوازن البيئي، وكثرة الغبار، إلى الاحتطاب الجائر حتى غدت بعض متنزهاتنا مجرد طرق مفككة، وأشجار مكسرة، ونفايات مبعثرة، وغبار متطاير تعكس علاقة متوترة متأزمة بين الإنسان وبيئته التي تحتضر. اللواء عبدالله السعدون جمال الصحراء ويقول اللواء عبدالله عبدالكريم السعدون: حين أقارن بين ما يحصل لدينا من تعد على البيئة الشحيحة بأشجارها وأمطارها، وبين ما تقوم به الدول المتقدمة من حماية لثرواتها الوطنية من الغابات والمتنزهات الكثيرة أصاب بالحيرة، فنحن نقسو على صحرائنا بالاحتطاب والرعي الجائر، والتعدي على الأشجار من المواطنين والوافدين وتشاركهم أحياناً البلديات في ذلك. ويضيف: قبل سنوات حين كنتُ في زيارة إلى نيوزيلندا دعيت إلى منزل صديق، وكان في المنزل شجرة كبيرة تحجب رؤية أجزاء من البحيرة، فسألته عن عدم اقتلاع الشجرة، أجاب: حين يصبح قطر الشجرة ثماني بوصات تصبح فائدتها للجميع وليس لصاحب المنزل فقط، لذا لا يمكن أن تزال إلا بإذن من البلدية التي عادة لا تسمح بإزالتها إلا بعد دراسة وبحث عن بدائل، كنقلها أو زراعة بديل عنها وهذا ما أحاول عمله منذ أشهر. وأكد أن هناك خطوات مهمة يجب أن تتخذها عدة قطاعات وفي مقدمتها وزارة الزراعة لتنفيذ مشروع وطني كبير يعيد للصحراء بهجتها وغطاءها النباتي، مثل مشروع مدينة الغاط الذي تقوده وتدعمه وزارة الزراعة حيث قام الأهالي والمحافظ قبل عشر سنوات بمبادرة ذاتية ناجحة جعلت من وادي المحافظة متنزها وتمت حمايته من الرعي والاحتطاب وتمت زراعة آلاف الأشجار على جانبي الوادي، أما المجرى ذاته فقد تكفلت الطبيعة بإعادة أشجاره إليه، والآن ينعم الأهالي والوافدون بمتنزه مساحته تزيد على 25 كيلو مترا مربعا، وقد تم حتى الآن زراعة أكثر من خمسين ألف شجرة من أشجار البيئة التي لا تحتاج لمياه بعد نموها، والهدف هو زراعة مليون شجرة في عشر سنوات. ويؤكد السعدون وضع خطة استراتيجية وطنية تتمثل في دعم وتشجيع مراكز الأبحاث في وزارة الزراعة وفي الجامعات على أن تبحث عن أفضل الأشجار من حيث ملاءمتها لمناخ المملكة وقلة احتياجها للماء ومن ثم تقوم بتعميمها على المحافظات حتى تبنى الخطط على أسس علمية واضحة. ويرى أن تبني مشاريع وطنية على مستوى المناطق والمحافظات لإعادة الغطاء النباتي واستزراع أشجار البيئة سيكون أكثر من فائدة، لو تبنته وزارة الزراعة ودعمته صناديق التنمية وهيئة السياحة. وقال: أعتقد أن الأجيال القادمة تستحق أن تجد بيئة نظيفة متنوعة بأشجارها ووديانها وشواطئها. مليون شجرة وكشف الكاتب الدكتور محمد القويز عن مشروع تطوعي لاستزراع مليون شجرة، مشيرا الى أن الكشف عن تفاصيله سيكون لاحقا. ويضيف: للأسف نرى الدول الغربية مليئة بالغابات والمسطحات الخضراء ومع ذلك يُعتبر قطع الشجرة فيها جريمة، فما بالك ببلد صحراوي يندر وجود النباتات فيه، وبلد يعاني من التصحر بسبب الجفاف والرعي الجائر، ثم يأتي الاحتطاب بالمناشير ليجهز على ماتبقى فيه من حياة فطرية. ويقول: نحن أمام ظاهرة قطع أشجار عمرها مئات السنين التي انتشرت في أودية الطوقي، والحسي، ومأسل، والسديري، وجبلة، والقائمة تطول، مؤكدا أنها استفحلت حتى أصبحت تهدد باستئصال ما تبقى من شجر رغم قلته. كميات مجهزة للبيع الاحتطاب الجائر يدمر البيئة استزراع شجر الطلح بمتنزه الغاط الوطني