لقد أسعد خبر فوز أوباما بولاية ثانية جمهورًا كبيرًا من الناس داخل أمريكا وخارجها، وبالمثل فقد أغاظ هذا الفوز عددًا غير قليل من الناس. وفي ظني أن أبرز من أصيبوا بالحنق لهذا الفوز هو رئيس الوزراء الإسرائيلي السيد نتنياهو الذي يكنّ كرهًا خفيًا لأوباما والذي يبادله نفس الشعور، وقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن نتنياهو قلق جدًا ويتخوّف من فوز أوباما وقد دعم المرشح المنافس ميت رومني بكل قوة. ومن المتوقع أن تشهد العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في الفترة القادمة نوعًا من التوتر إذا بقي نتنياهو في منصبه. وبالنظر في أسباب فوز أوباما رغم شراسة المنافسة وقوتها مع رومني، فسنجد مجموعة عوامل ساعدت أوباما على اكتساح الفوز مجددًا بعضها عوامل خارجية وأخرى عوامل ذاتية تخص شخصية أوباما. وأهم العوامل التي يجب عدم إغفالها هو أن الناخب الأمريكي يميل –غالبًا- إلى التجديد للرئيس لولاية ثانية، ولم يشذّ عن هذا الاتجاه إلا عدد قليل من رؤساء أمريكا، ويكون عدم التجديد له مبررات قوية كالفضائح أو الفساد أو إغراق البلاد في حروب أو مشكلات اقتصادية. وبالنظر في سجل أوباما للفترة الماضية نجد أنه لم يتورط في مثل هذه المبررات التي تدعو الناس لكي تغسل يديها منه وتبحث عن بديل له؛ لأن الناس بطبيعتهم يميلون إلى التعامل مع شخص معروف له نظام مجرب وطريقة واضحة أسهل عليهم من المغامرة مع شخص جديد لايعرف عنه إلا الأقوال. وإذا علمنا أن بعض الولايات التي فاز بها أوباما في 2008 قد خسرها هذا العام مثل إنديانا المحافظة، فإن ذلك لم يؤثر على النتيجة النهائية بعد أن خسر منافسه أوهايو. وقد ساعد أوباما في الفوز على منافسة في الولايات المتأرجحة هو قوة الحملة الدعائية والأموال الضخمة التي ضخّت فيها. ومعلوم أن أوباما يحظى بدعم عدد كبير من الشركات ومراكز الأبحاث ومن أسواق الاقتصاد التي وجدت فيه ما يناسب توجهاتها التجارية المنفتحة. فعلى سبيل المثال، إن عددًا من شركات الأدوية وأبحاث الخلايا الجذعية ومراكز علاج الإجهاض وغيرها سوف تغلق نهائيًا مع المحافظين كما حصل في عهد الرئيس بوش الابن؛ وكان فوز أوباما بالنسبة لتلك الشركات الضخمة مسألة موت أو حياة، ولهذا فقد ساعدته جهات كثيرة ومنها تلك الجهات في الدعاية والدعم. أما العوامل الذاتية التي يمتاز بها الرئيس أوباما وتأكدت للناس مع مرور الوقت وممارسة العمل، فأبرزها أنّ لديه قدرة بلاغية فائقة في الخطابة والاستخدام الذكي للغة استطاع من خلالها شدّ انتباه الجمهور وإقناعهم، مقابل ضعف الأداء اللغوي لدى رومني في طريقة الخطابة وفي انتقاء العبارات بل وفي شق طريقه للحديث في موضوع معين أو الانعطاف إلى موضوع آخر، فهناك عنتٌ وتقعّر يُعاني منها خطابه، وقد تنبّه لذلك عدد من الأمريكيين وصرحوا بأن نقاشه مع أوباما في اللقاء الثالث كان هزيلا، ووصفوا أسلوبه بأنه «ركيك وجمله مبتورة ولغته ضعيفة». كما سبق أن وُصف خطابه الذي ألقاه في أغسطس بأنه «رسم صورة متكاملة لخواء سياسي وصخب إعلامي وموسيقي». ومن أبرز سمات أوباما التي جعلته محل تقدير الناس داخل أمريكا وخارجها هو شخصيته المتوازنة في جوانب كثيرة، فهو ليبرالي منفتح في تفكيره وتعامله السياسي، ومحافظ في الجوانب العائلية والسياسية، ويملك قدرة متميزة في التواصل مع الجميع. إنه يفكر ويتأمّل عواقب أفعاله قبل أن يقوم بها، وهذه من صفات الرجل الناضج صاحب الشخصية المتوزانة عاطفيًا وذهنيًا. مقابل شخص متهور هو السيد رومني الذي وصف بأنه أرعن ومتطرف، سريع الغضب، يتخذ قرارات حاسمة وعنيفة بسرعة ولا يعبأ بردود الأفعال؛ مثلما كان يفعل السيد بوش الابن الذي جرّ بفعلاته الويلات والدمار لأمريكا ولغيرها من البلاد ولايزال العالم بأكمله يُعاني من تبعات تصرّفات بوش المتطرفة في السياسة والاقتصاد إلى هذا اليوم. والسيد رومني يذكرنا ببوش في كثير من التصرفات والأفكار التي تجمعهما؛ فقد يريد أن يقوم بتصرفات عنيفة من أول يوم له في الرئاسة كإلغاء البرنامج الصحي الذي صنعه أوباما وتهديد الصين ودعم إسرائيل وغيرها من السياسات القوية غير المدروسة التي قد تجلب الويلات من جديد للعالم. وإذا أضفنا إلى سمات أوباما السابقة ما يمتاز به من علاقة حميمة مع زوجته وبناته، فإن زوجته ميشيل كانت بمثابة نقطة محورية ناجحة في شخصيته؛ فهي امرأة متزنة وعاقلة لم يصدر منها تصريحات حمقاء أو سلوك ينم عن شخصية مبتذلة؛ مقابل ما يجده بعض المترشحين من إحراجات تصدر من زوجاتهم كما فعلت زوجة رومني وقبلها زوجة جون كيري وغيرهن من الزوجات اللاتي تصدر منهن تصرفات أو أقوال تسيء إلى الأزواج دون قصد. ولا شك أن المبتهجين بفوز أوباما يتوقعون منه سياسات أكثر حرية في فترته الثانية التي تقل فيها المخاطر وتزداد فيها الثقة لكي يتصرف وفق مايراه مناسبًا وصحيحًا، ولعل أهم ما يعني العالم خارج أمريكا هو السياسة الخارجية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.