أراهنُ أن شعور العودة إلى العمل بعد الإجازة عند غالبية الموظفين ممزوج بالاكتئاب وضيق الصدر. منهم من أجل فقدان الزمن الذي ينعم به في الفراش، وآخرون بسبب مطالب الجمهور والمدير. وفي زمن مضى – أذكر – أن الإدارة تتغاضى عن يوم أو يومين يغيب بهما الموظف أو يقل إنتاجه. وعايشتُ رجلا كان يعمل معنا في الحكومة، وعذره الجاهز انه "ما حصّل حجز!". والحالة تلك ليست عندنا في الشرق. الإنجليز يقولون (باك تو جرايندنج)Back to grinding يعني: العودة إلى الطحن. ولم يقولوا "العودة إلى الرقص أو السباحة" لأن الأولى من صالح رب العمل، أما الثانية "كانت "لترفهم ومتعتهم". البعض من الغربيين يقولون "العودة إلى منجم الملح" – والعبارة ترجمة لما اتخذته عنوانا. وفي بال قائل المثل أن منجم الملح هو ارخص وسائل التنقيب والبحث عن ثروات الأرض. ومن عاد إلى عمله بعد إجازة عيد الأضحى فقد يعاني مع الكسل من تلبك معوي إن كان ممن يتناول اللحوم الحمراء إفطارا وغداء وعشاء ويظهر تأثير ذلك على مزاجه. وظهر في الغرب أن ثمة داء أو مُتلازمة (Syndrome). ومن الممكن أن يصاب البعض بالاكتئاب وهو من تلك الدراسات. حيث ينتاب الكثيرون شعور بالملل والضجر والعصبية الشديدة. هذا الشعور بالضيق والحزن عند العودة إلى العمل ليس شعورا مخيفا، وإنما هو حالة وجدانية يشعر بها العائد من أيام ممتعة وتعرف كردة فعل لما يتوقعه الموظف والدخول من جديد في عالم الروتين والضغوط المختلفة. وترتبط الاجازة عند أكثر الناس في بلدان كثيرة بالسفر إما بغرض البعد عن الواقع، وبالتالي ترتبط في ذهنه بأنه لا راحة إلا مع السفر، وأن الوجود في بلده يعني الملل والفراغ والسأم. واقترح من لديه خبرات نفسية عدم العودة إلى العمل في اليوم التالي مباشرة بعد الرجوع، بل يجب حجز يومين أو ثلاثة من الإجازة بحيث يقضي الشخص يوما أو يومين من الإجازة في بلده ومسكنه ويزاول نمط حياته العادية. مدير مغرور يفرح مرؤوسوه إذا علموا بقرب مغادرته الوطن في إجازة. قال أحدهم: حار البيان بما يُصوّر منظرا كعلاك جاوز قُُبحهُ المعقولا حتّى ذهبتَ عن الحمى فتنهّدتْ أرض رأتْ عنك البعاد جميلا