قلنا إنه لابد أن تُستثمر مهرجانات السياحة ليس في الجانب الترفيهي فقط - وإن كان هذا مهماً - بل لتعزيز المواطنة وكسر الحواجز بين أبناء الوطن فلدينا جميعاً حب وطني عارم لهذه الأرض، لكن ما نحتاجه هو التعبير عن حب هذا الوطن والشعور تجاهه، مهرجانات السياحة أذابت الجليد الذي كان يفصل بين الأغنياء والفقراء وقربت المسافة واتاحت المجال أمام الميسورين ليعبروا عن حبهم لوطنهم «هناك نماذج عدة لكن آخرها ما أعلنه الشيخ إبراهيم العلي العبودي عضو لجنة أهالي محافظة المذنب عندما أعلن عن مبادرته أمام أمير منطقة القصيم سمو الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز في اختتام برامج سياحي المذنب 26 وكما قال العبودي يأتي التبرع تمشياً مع رغبات سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في معالجة حالات الفقر حيث تبرع الشيخ إبراهيم العبودي بمبلغ «12» مليون ريال لإنشاء صندوق استثماري يحمل اسمه سبعة ملايين عبارة عن عقار مستثمر وخمسة ملايين نقدي بإجمالي قدره «12» مليوناً تهدف إلى استئجار مساكن لمن لا يملكون سكناً وسوف يشرف على الصندوق الشيخ محمد بن خميس رئيس محكمة المذنب .. هذا أنموذج لمواطن مارس مواطنته بشعور صادق للتعبير عن مشاعره الوطنية بالمساهمة في إنشاء صندوق بإمكانات متوسطة لكنها ذات تأثير معنوي لمحاربة الفقر عبر معالجة أهم محاوره وهو استئجار المساكن للمحتاجين. وأنا هنا أرى أن الأمير فيصل بن بندر أمير القصيم بدأ يجني ثمار مهرجان السياحة بتحويله من مهرجان ترفيهي فقط إلى مهرجان منتج في التأسيس لأعمال خيرية تهدف إلى محاربة الفقر من خلال تشجيع وحث رجال الأعمال على هذه المبادرات .. وفي هذا الاطار من الضروري أن تبادر إدارة مهرجان القصيم والمهرجانات الأخرى إلى تكريم رجال الأعمال الذين لهم أياد بيضاء في الأعمال الخيرية أو حتى إنشاء المشاريع الاستثمارية داخل مدنهم وإقامة استثمارات في الداخل وتأسيس مشاريع شعبية بدلاً من توجيه رؤوس أموالهم لاستثمارات دولية خارج البلاد أو حتى عقارات تكون فائدتها ذاتية على التجار دون أن يستفيد منها القطاع الشعبي.. فالخطوة التي أطلقها الشيخ إبراهيم العبودي ضمن سلسلة من الوجهاء الذين قدموا مشاريع لمعالجة الفقر هي خطوة الألف ميل التي تنتظرها جميع مناطقنا للبدء في تأسيس صناديق استثمارية تدار محلياً وباشراف جهات شرعية ورقابية تهدف إلى المساهمة مع أجهزة الدولة لمحاربة الفقر من خلال فكرة استئجار مساكن للفقراء والمساكين كجزء من حل ضمن استراتيجية شاملة لمعالجة مشكلات الفقر .. وبلا شك فإن المساكن هي حجر الزاوية لتلك الأزمة ثم تأتي المشكلات الأخرى مثل توظيف أبناء الفقراء وايجاد فرص عمل لهم وفتح مسارات التعليم النوعي أمامهم في تخصصات علمية استثمارية مثل الطب والهندسة، والحاسب وغيرها من التخصصات التي تعيد بناء الأسر الفقيرة من الداخل عبر رفع مستوى التأهيل ويتم ذلك بتسهيل قبولهم في الجامعات الحكومية السعودية أو الصرف عليهم في الابتعاث الداخلي عبر الجامعات الأهلية أو ابتعاثهم إلى الخارج. أما إمارة منطقة القصيم فهي تؤسس لعمل نوعي في استثمار مهرجانات السياحة بهذا الحشد الجماعي للأهالي ولرجال الأعمال والمستثمرين من خلال الاحتفال برجال الأعمال الخيرين والمتبرعين مثل الشيخ إبراهيم العبودي وتحديد موعد التبرع ليتوافق مع اختتام حفل الأنشطة وهي خطوة إيجابية من إمارة المنطقة بإشعار الأهالي أن المهرجانات السياحية لا يقصد منها فقط الترفيه - وإن كان هذا هدفاً رئيسياً ويحتاجه الأهالي - وإنما هي فرصة لطرح مشاريع خيرية شعبية تهدف إلى تحسين أوضاع الأسر الفقيرة والوقوف إلى جانبها لتساعدها على الصمود واشعارها ان لها دوراً اجتماعياً تقدمه داخل المجتمع من خلال المواطنة الصالحة وتجنيب المجتمع الوقوع في المهالك مثل المخدرات والبطالة والانحراف والاحباط الاجتماعي وتنامي شعور الانتقام الفئوي فقد ثبت من خلال الدراسات أن الفقر من أهم العوامل التي تقود إلى الانحراف الاجتماعي الذي ينعكس على الاستقرار والأمن النفسي والأمن الوطني.. أتمنى من أمير منطقة القصيم أن يتوسع في هذا الاتجاه في جعل مهرجانات السياحة مكاناً خصباً لإطلاق مبادرات رجال الأعمال والاحتفال بأولئك المستثمرين الذين يساندون استراتيجية محاربة الفقر عبر مبادراتهم الشخصية.