الحديث بين طرفين أو أطراف لإبداء وجهة نظرٍ، أو رأي كل منهم بأسلوب هين لين لرغبتهم في الوصول الى نتيجة تخدم مصالحهم او مصالح الشأن العام يسمى بالحوار او تجاذب اطراف الحديث بغية الوصول الى هدف سامٍ وغاية مشتركة، وهذا ما يرنو اليه القرآن الكريم حيث استخدم ذلك في ثلاثة مواضع،منها موضعان في سورة الكهف وموضع في سورة المجادلة، قال تعالى (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) اية 34 الكهف، وقال تعالى في السورة نفسها (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا) اية 37الكهف، وفي الآية الاولى من سورة المجادلة( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ). وجاء الحوار بصيغة الفعل بالقرآن الكريم (قال ) 527 مرة (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) مريم اية10 واختص القراآن مبدأ الحوار، حيث حاور الله خلقه على لسان رسله وحاور جل وعل ملائكته وحاور الرسل اقوامهم صلوات الله وسلامهم عليهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) وحاور الانبياء اعداءهم كحواره صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة، حيث استمع صلوات الله وسلامه عليه حتى انهى عتبة حديثه حينها قال صلى الله عليه وسلم افرغت يا ابا الوليد ؟ قال نعم قال صلى الله عليه وسلم اذاً اسمع مني قال افعل فتلا صلى الله عليه وسلم (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )، فالحوار ضرورة بشرية يحتاج الناس الى فهم بعضهم بعضا من خلاله يتواصلون ويرسلون رسائلهم الايجابية او السلبية على حد سواء، وسواء توصل الطرفان الى نتيجة مرضية لهما ام لم يتوصلا وبقيت وجهة نظرهما محتفظين بها . فالحوار وسيلة لبناء الامة واعدادها الاعداد المتين اذ يقوي الروابط الاجتماعية ويعززها وينمي جوانبها الاخلاقية، وهو مفتاح للسلام والامن ووسيلة ناجعة للاعتصام من الفتن والفرقة، وهو وسيلة لتحسين الصحة النفسية والعقلية، فمن خلاله تذهب الضغائن والكراهية والغل وعن طريقه يزول ما يعلق في النفوس وينجلي صداها، وتصفو روحها، ويفهم المقصود وينزاح الشك، وهو وسيلة للإقناع والاقتناع فلا يمكن ان يتوصل الى ذلك الا بالحوار البناء القائم على الصدق والمصداقية والبعد عن الهوى والاغراض الدنيئة. وللحوار آداب وقيم واخلاقيات من اهمها حسن الاستماع، والرد الهادئ البليغ كحوار رسول الله صل الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة ومن آدابه واخلاقياته التسليم بإمكانية واحتمالية صواب الخصم يقول الامام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ) كما من اخلاقياته مراعاة مقتضى الحال وان يحرص المتحاوران ان يعرف كل منهما اسم وكنية الاخر فيناديه بأحب الاسماء اليه ومن آدابه العفو والتسامح والبعد عن الضغينة وعدم تسفيه الرأي الاخر ومن آدابه واخلاقياته النظر الى الاخر بعين الرضا والاحترام، وايمانا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بهذا المبدأ العظيم مبدأ الحوار اطلق دعوته للحوار بين الحضارات والحوار بين المذاهب ذلك لما يشهده العالم من اضطراب وتفاوت في القيم والمفاهيم وانتشار روح الكراهية ومساهمة منه يحفظه الله في نشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال وبناء علاقات تعاون وسلام تساهم في مواجهة تحديات الانغلاق وضيق الافق فقد بادر خادم الحرمين الشريفين بإطلاق دعوته الصادقة لتبني نهج الحوار والتفاهم بين اتباع جميع الاديان والثقافات وقد اثمرت هذه الجهود عقد مؤتمر الحوار في مدريد عام 2008 م كما تم الاتفاق مع كل من حكومتي النمسا واسبانيا على انشاء مركز الملك عبدالله للحوار والثقافات في فيينا، كما تجلت نظرته الثاقبة رعاه الله في الاعلان عن تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الاسلامية في مؤتمر التضامن الاسلامي الذي عقد في شهر رمضان/ اغسطس / اب يكون مقره الرياض واكد يحفظه الله على ذلك في كلمته امام ضيوف الرحمن في منى يوم السبت الحادي عشر من ذي الحجة لعام 1433ه حيث اكد على مبدأ الحوار ونبذ الغلو واكد ان حوار الامة مع نفسها واجب شرعي اذ ان الشتات والجهل والغلو تهدد امال المسلمين الذين هم في امس الحاجة اليها واكد ان الحوار تعزيز للاعتدال والوسطية والقضاء على اسباب النزاع والتطرف واشار يحفظه الله ان فكرة مركز الحوار بين المذاهب الاسلامية، والذي دعا اليه في مكةالمكرمة لا يعني بالضرورة الاتفاق على امور العقيدة بل الهدف منه الوصول الى حلول للفرقة واحلال التعايش بين المذاهب بعيدا عن الدسائس او غيرها الامر الذي سيعود نفعه لصالح الامة الاسلامية وجمع كلمتها. إن الحوار الهادئ المبني على الاسس العلمية والمنطقية والعقلانية والموضوعية القائم على الاحترام المتبادل وبغية الوصول الى ما يخدم المصالح العامة والمنافع المشتركة هو السبيل الى كلمة سواء، تصلح الحال وينتفع بها وتعود شجرة وارف ظلها على الجميع. فالحوار ركن من اركان حياتنا اليومية لا غنى لنا عنه في بيعنا وشرائنا ( فان صدق البيعان وبينا بورك لهما في بيعهما ) فلنتخذ الحوار الصادق البناء اساسا من اسس معاملاتنا وحياتنا ليبارك الله لنا في معاشنا ومآلنا .